عندي ثقة فيك!


coffee

..

في ذهني تدور أشياء كثيرة، وأسماء كثيرة، مدنٌ تشيّد، وأخرى يأكلها النسيان، عشرات اللحظات التافهة، وبضع خلواتٍ مع الفرح الطريد. أصدقاء ما عادوا يشكلوا ذاك الفارق، ونومٌ يشكل مهربًا خسيسًا إلى العدم. لكنني أستيقظ دائمًا، أستيقظ على فلسطين، على شهداء أوّل أيام العيد، على صوت الرصاص، على هواءٍ جلُّه كبرياء، المستشفى، الدوّار، شريط الأخبار، وائل الدحدوح، وأشياء أخرى كثيرة، تنطوي تحت مظلّة هذا الكيان، هذا الذي لا يعترف بالعالم، يقف مخاطبًا المنطق في قعر داره، ويصرخ أمام الدنيا .. ” Talk to the hand “، ويمدُّني، ولا يزال، بإبر الغد، يغريني بفتح روما، وشرب زمزم، وقراءة الكتب في كامبريدج، وإنجاب أول طفل لا سلكيّا .

النهايات السعيدة لا توجد إلا في الأفلام، أمّا النهايات التي لا تنتهي، فهي هنا، في عيون ” فاطمة ” الصغيرة التي ارتدت فستانًا أتحدى مصمي باريس به، وفي وقع خطى جدتي ” فاطمة ” الكبيرة بثوبها المطرز ورائحتها المعتقة، في التفكير بفلسطين، هذا التفكير الذي يسقف مخدعي، ويقدّس محرابي، ويعطيني قبسًا من عنفوان، لأطلق العنان في داخلي، وأبحث عن الجميل في كل شيء، بلا آلة حاسبة ولا جغرافيا، بتبريرٍ يبدو لي مثاليا، بأني إني لم أصبح ما أريد، إن فاز العالم عليّ، إن فشلت وسقطت وتكسّرت كل أضلاعي، فلقد كنت ما أرادني الله وقلبي، فلسطينيًا وكفى .

لا، ليس ذنبك يا وطني أن العالم بات يؤمن بالنفط والكهرباء، ليس ذنبك أنهم كفروا بي وبك، لم تعطني كالنوم أحلامًا هلاميّة، لم تجاملني، جبلتني على الأحلام الحمراء، أقنعتني أن حلمي الفردي، هو حجر الزاوية في فسيفساء الشهداء، شرحت لي كيف لأكتافي العارية أن تحمل الصخرة، جعلتني سيزيف العصر يا وطنًا بلا أجنحة، يا أعلى القمم. لن أكون تقليديًا وأطلب منك جواز سفر، لن أحبك لشيءٍ تعفن في جوفك قبل آلاف السنين فصار نفطًا، لن أسبّك لمعبر يغلق في وجهي، كيف أفعل وأنت منحتي حق التصريح بأني عاريًا أهدد أمن إسرائيل وفرعون وجنودهما! ، سأحلم كما علمتني ورفضوا، حلمًا أحمرًا لا أمل في تحقيقه إلا لأنّي أحلمه، كي يصبح الحلم ثورةً، وبعدًا رابعا، يشاركني ظلي على الرصيف، وحجر قلبي الأربعة .

سأحبُّ فتاةً تختصر النساء، سأحضن ضريح جدّي، سأقبل يد أمّي، سأجوب الكون، سأصبح طبيبًا، وأهدم الوطن العربي وأبنيه، وأؤلف ديوان شعرٍ يعلق على ستار الخلود، وأكتشف عيون التي أحبُّها في نواة الذرة، وسأفرح لأنهم أرادونا قاتمين، وأشعل سيجارةً كل صباح، وأطير مع فيروز، وأشعر بمساحات شاسعة حولي في أكثر بقع الأرض اكتظاظا، ولن أعير اهتمامًا لهم، لا لذاك الذي وعدني بالقبول، ولا لنفسي التي تهاب الرتابة، وتخشى طريقًا قد حفظته بصمًا، قبل حتّى أن تسير فيه . لن أذوب عندهم، سأذوبُّهم فيّ وفيك يا وطن.

الأوسمة: , , , , , ,

26 تعليق to “عندي ثقة فيك!”

  1. خديجة علوان Says:

    ويستهويهم مشهد الوطن المغلف دما… تستهويهم نظرات الأطفال الخالية من فرح…. فقط لأنهم بدمع أولئك ونزف ذاك الوطن يمارسون الرذيلة في معابد الوقت المقدس…ويبنون أشياءهم من اللاشيء …غدا ستهوي قصورهم … غدا بذات اليد العارية ستداوى جناحات الوطن … والتتار كما رحلوا قديما سيرحلون الآن …

    فيروز تكمل الأسطورة … وتنخر عظام القلب أكثر حين تغني لأجل القدس … لأجل العجز … لأجل التخاذلات … ولأجل الحب تغني فتروي القلوب الشاحبة…

    راقني هذا النزف هنا أيها المبدع

    دمــ فلسطين ودامت فلسطين أكبر بك ــت

  2. Blue Says:

    فلتبقى كأنت ,, دوما .. لا يغيرك مناخ أو يعصف بك إعصار,,

    والوطن ما زال يحتضننا ,, أحياءاً فوقه أو تحته,,

    رياح فلسطينية لك بعبق الأرض والبحر 🙂

  3. it's.me Says:

    ..

    جدتي ورائعة الوطن ، أطفالي وطفولتهم ، الأحلام في شارب أبي

    كفتين أمي الجنة ، وألسنة الاصدقاء التي لا تلبث أن تلكزني

    الخبر في وكالات الأنباء ، مستشفى كمال عدوان وتوقعي أن ترسم شيء

    فنجان القهوة المعطوب ، والعبارة الساذجة التي يدندنها أناس طيبة

    فيروز ، ومش سامع غنية راحوا ؟

    كل تلك اللوحات تحفز على أن أتذكر الفرح ، الفرح الموسمي

    ولكن فلسطين لا تحتاج لشيء ، ولا محفزات تنسينا إياها

    اصنع شاي << في الطريق إليك .

  4. حسام زيدان Says:

    في احد الليالي و علىشاطئ المتوسط في مدينة الاذقية السورية قال لي كاتب و صحفي سوري اسمه نبيل سليمان
    قال : ( وطن لا يمنحني حبيبة لا يستحق الدفاع عنه )
    ما زالت هذه الكلمات ترن مسمعي .. هل يا محمود يجب ان نملك في وطننا انثى لندافع عنه و يستحق منا التضحية ..

  5. wafa Says:

    لطالما أحببت الاوفياء لمن لا وفاء لهم ,,
    كلماتك تذكرني بوطن لازلت أحبه ,,
    وأغنية لازلت أعشقها ,,

    وجلسة !

    صديقي استمر بأحلامك فانك لن تفتح روما !!

  6. Anwaar Says:

    أ.حسام زيدان
    بعد التحية

    إنه إن يفقد وطنـه ، فسيفقد الحبيبة بأي حال ..
    أرى أن الحبيبة جزء لا يتجزأ من الوطن إن هو باع وطنه فسيدفع فوق الوطن الحبيبة ضريبة و إن هو يدافع عنه فذلك في سبيل الحبيبة ..

    و الحبيبة رمز للأهل و الحبيبة و الأصدقاء و الأبناء و كل من لأجلهم نحتاج لوطن نجتمع تحت سمائه**

    تحيتي و معذرة محمود ^_^

  7. Anwaar Says:

    Mahmoud
    النهايات تلك التي لم تكن لتنتهي ، أثارت لدي تناقض منذ زمن و كلفني ذلك ثلاث سنوات دراسة متخصصة كي أؤمن بشئ اسمه ما لانهاية ، كنت أعتقد بأن لكل شئ انتهاء و كنت أخشى أن نخوض في متاهات..
    لكني الآن أصبحت أكثر عمقا ً بوجود بعدا ً رابعا ً لفلسطين هـو الأمل ، ذلك الأمل الذي لا يمكن أن يذوب حتى لو فـُصلت عنه الكهرباء لقرون أخرى ..
    سنظل فقط نحيا لأجل فلسطين و لن ينتهي فينا أي شئ ، لا ثورتنا و لا أملنا و لا دمنا الذي يقطر عزة ..
    لا زلنا في كل خطوة نقول “يا الله” .. لن يقتل الزمن إيماننا ،

    و أنا عندي ثقـة فيك و بشباب فلسطين 🙂

  8. Lina Aude Says:

    ربطت لساني يا محمود !

    ” كل سنة و إنت سالم لو متأخرة “

  9. Mahmoud Omar Says:

    صديقتي خديجة، مهما فعلوا ومهما سيفعلوا، لن يبارحوا أماكنهم، لأن الوطن والحب أكبر منهم جميعًا،

    جزلٌ ضياؤكِ .

  10. Mahmoud Omar Says:

    ولكِ سماء زرقاء صافية، تشبهكِ .. : )

  11. Mahmoud Omar Says:

    محمود يا صديقي، فلسطين بعجزها وضعفها ووقوفها وحيدةً في حلبة الكرامة، تظلُّ قادرة على كسر أعتى نظام أمني، إنها قادرة على التسلل إلى كل شيء يا رجل، إلى كوب القهوة وعين التي أحبها، كم تبدو ذكية هذه فلسطين!

  12. Mahmoud Omar Says:

    حسام، منحتنا فلسطين أشياءً قد لا يكفي أن نحيا مرّة واحدة حتى ندركها جميعا، ولا حتى كي نردّ الجميل .

  13. Mahmoud Omar Says:

    سأستمر يا وفاء، المهم أن تستمري في تشجيعي .. : )

  14. Mahmoud Omar Says:

    سيبقى الوطن يا صديقتي أنوار، غصّة في حلق المنطق، ودرّة تاج الرياضيات .. : )

  15. Mahmoud Omar Says:

    وانتِ أقرب يا لينا ..

    (F)

  16. حنظلة Says:

    يا الله يا محمود !
    كنت سأصفق لك … و لكن لا كي لا أذكرهم بخطابات القيادات البائتة و قد التوت رقابنا و نحن نصفق لها … كنت سأرفع القبعة و لكن لا فهي دليل على اجترارنا لغة المجتمعات المخملية ، كنت … و كنت … و لكن سأكتفي بتنفس الهواء هنا … , و ترك ياسمينة

  17. Mahmoud Omar Says:

    ياسمينتك أغلى من تصفيقهم وقبعاتهم يا صديقي،

  18. العابرة Says:

    أقف هنا.. لتذهلني القوة!

    ايماننيا بأحلامنا… ايماننا بانتمائنا… ايماننا بمبادئنا

    ثباتنا.. رسوخنا.. عزمنا.. أملنا .. حلمنا بذاته.. هي ما ستوصلنا!

    وفلسطين ستبقى.. كما بقيت دوما.. وكما ستكون .. باقية دوما!

    أما غزة فإلى الأبد.. غصة في نفس أعدائها 🙂

    بالتوفيق 🙂

  19. freedom Says:

    تعرف جيّدا ً كيف تفصـح عن روح ٍ لا تتعفـّـن أبدا ً أو تجـفّ ،عن جمال ٍ يختزن الأعماق ويتسـع كلّما ضاقت بقيـّـة الأمكنـه والرّؤى

    (قرأتها مرّه واثنتين .. ورابعة )

  20. Mahmoud Omar Says:

    سيبقى الايمان يا صديقتي، وسأبقى أكرر أنّك وان كنتي عابرةً بالمسمى، فأنتِ مقيمةٌ وان شئتِ اسالي العزيمة والفرح .. : )

  21. Mahmoud Omar Says:

    بل هي الروح التي تتملكنا منذ الصغر يا اسماء، هي الجميلة التي تفصح عن نفسها بنفسها، وما نحن الا ادوات .

    سعيدٌ بقراءاتك، الأولى، والثانية، والرابعة .. : )

  22. سيدة الزرقة Says:

    أيكفيك أن أصمت ؟؟!!

    ودٌّ

  23. Mahmoud Omar Says:

    منكِ، يكفيني .

  24. سلام Says:

    أثمن شئ ملكته يا محمود,

    إبن هذه الأرض …ا

    التي انجبتك و عجنتك بترابها لتكون أنت ..أنت

    فهي لا تخشى الضياع وأنت معها ….

    هذه الارض والارض التي باركها الله مرت عليها في التاريخ المجازر تلو المجازر وزيف التاريخ …

    ولكن لن تنطلي على العقلاء الكذبة و الحقيقة تبقى مهما حاولوا طمسها …

    لم أنت بلا وطن ؟؟ لم كتب عليك الشقاء ؟؟؟

    لانك ابن هذه الارض و بحق تستحقها ,

    مادمت تصرخ

    وتمانع

    وتقاوم ..

    فالارض يرثها عبادي الصالحون….

    .ولا تخشى على الارض الا المنافقين…

    وسياتي ذاك اليوم يوم ينكفئ المنافقون ويخرصون…فلا تقوم قائمة لعدو ولا لطامعين …

    عندي ثقة فيك ..وبيكفي…

  25. بنت بلادي Says:

    فلسطين حره وستبقى حره ~~

  26. متشائل Says:

    جذبني العنوان و جذبتني ألف مرة
    كاسك يا وطن !

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s


%d مدونون معجبون بهذه: