يا الله، يا ربّ هذا الكون، كيف تكون الحقيقة مكتوبة بهذا الوضوح ومرفقةً بالدلائل، ونكون مع ذلك جاهلين ؟. إنها لمصيبة تامّة أن لا تعرف كيف بدأت القصّة، ومن أين بدأت، ومن شارك فيها، ومن نأى بنفسه، وإنّها لمصيبة أشد وأكبر، أن لا تجبرنا معرفتنا على الجهر بالحقيقة، وعلى اعتزال النفاق والمحاباة. إنّ تفاصيل التفاصيل مطلوبة مني ومنك، ذلك أن بندقية تجهل سبب وجودها، وتجهل وجهتها الفعليّة، بندقية رصاصها مرتد، وزنادها رخو كأصابع حاملها.
أن أكتب قراءةً مختصرة عن كتاب إيلان بابه، يعني أن أظلم الكتاب، وأظلم نفسي، معطيًا إياها أكبر من حجمها، إذ تحتاج القضية إمعانا اكبر من الذي امتلكته ودفعني لكتابة مسودات قاربت في حجمها حجم فصلين من الكتاب. سأطرح أسئلةً كانت ولا تزال حاضرةً في عقل المراقب للقضية الفلسطينية، منذ النكبة والتطهير، وحتى اليوم، أسئلة قدّم ايلان بابه المؤرخ اليهودي اللاصهيوني الجديد أجوبةً نموذجيةّ وعلمية لها، ومن خلال إلقاء الضوء عليها تحديدًا، يتضح أفق “التطهير العرقي في فلسطين” وتتضح الحتميّة التي هي الجواب على سؤال : هل يجب أن نقرأ الكتاب؟
– هل التطهير العرقي في فلسطين مزعوم ؟
نعم، ثمّة من يشكك بحدوث تطهير عرقي في فلسطين، وأقول آسفًا أن “ثمّة” تتضمن عربًا قبل العجم، من أصحاب الكروش والخيول الأصيلة، والسجائر الملفوفة بعناية. يختصرون لك المسألة بإيماءة من يدهم المباركة قائلين : النكبة حصيلة تعنت النخبة، وهروب الشعب المتخلّف.ونعم، يقولها ايلان بابه باصقًا في وجه كلّ من يظن في اجتهاداته الخيانيّة منطقًا وسياسة، نعم ثمّة حالة تطهير عرقي واضحة المعالم، مكتملة الجوانب، حدثت في فلسطين على مدار عامين متواصلين، ولا تزال فصول فرعيّة منها تأخذ أبعاد الواقع كلّ يوم.
التطهير العرقي : هو سياسة محددة جيدًا لدى مجموعة معينة من الأشخاص تهدف إلى إزالة منهجية لمجموعة أخرى عن أرض معينة، على أساس ديني، أو عرقي، أو قومي، وتتضمن هذه السياسة العنف، وغالبًا ما تكون مرتبطة بعمليّات عسكرية ، ويتم تنفيذها بكلّ الوسائل الممكنة من التمييز إلى الإبادة، وتنطوي على انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي .
حريّ بالذكر أن خطة التطهير العرقي، وضعها “الختيار” بن غوريون وعشرة آخرين، في البيت الأحمر، في تل أبيب، وتضمنت ذكرًا تفصيليًا ليوميات ما قبل الانتداب، وما بعده. سمي الإصدار الأخير من تلك الخطة “دالت” ويظهر في الكتاب مدى دقة التطبيق من قبل الهاغاناه واالبالماخ ولاحقًا ألوية جيش إسرائيل لبنود خطة دالت، وفاشيّة بن غوريون.
– لماذا رفض الفلسطينيون فرادى وجماعات قرار التقسيم الذي كان ليعبده صائب عريقات ؟
بعدما ذبح الفلاح، وعلقّوا على السور عرضه المفضوح، قالوا يا غبيّ، لماذا لم توفق!؟، أعطوك نصف الدار، نصف الصحن، ونصف رغيف، وقالوا هاك دولةً من عندنا لا أجمل ولا أحلى، فلماذا يا ابن العاهرة لم توافق ؟، الفلاح الفلسطيني البسيط، قبل المثقف، وقبل آل الحسيني كلهم، رفض قرار التقسيم لان : ” سكان فلسطين الاصليين، مثل السكان الاصليين في كل بلد آخر في العالم العربي، وفي آسيا وأمريكا وأوروبا، رفضوا أن يتقاسموا البلد مع جماعة من المستوطنين ”
– هل هرب الفلسطينيون ؟
من أهم بنود الرواية الرسمية الصهيونية لما جرى في عامي 1947، 1948، القول بأن الفلسطينيين هربوا من تلقاء أنفسهم في أماكن شاسعة من فلسطين، وبفعل الأوامر الرسمية العربية في أماكن أخرى، رغم المحاولات اليهودية لاقناعهم بالبقاء بغية انشاء دولة علمانية يعيش فيها الجميع في أرض إسرائيل التاريخية. هذا البند، يُهدم تمامًا بعد قراءة الكتاب، ويقتنع الإسرائيلي قبل العربي عن أيٍّ كذبة نتحدث حين نتحدث عن هروب جماعي للفلسطينيين، الفلسطيني ظلّ يعود ويرجع حتى أوائل الخمسينيّات، وظلّ يطرد، وظلّ يقذف، وظلّ ينفى، حتى اليوم.
يقول إيلان : ولابد من أن يكون اتضح أن الأسطورة التأسيسية الإسرائيلية بشأن الهروب الطوعي للفلسطينيين في لحظة بدء الحرب – استجابة لدعوة الزعماء العرب إلى إخلاء الطريق أمام الجيوش الغازية – لا أساس لها من الصحة. إنها تلفيق محض من أجل القول إنّه جرت محاولات يهودية، كما تصر الكتب المدرسية على الادعاء، لإقناع الفلسطينيين بالبقاء.
– هل باع الفلسطينيون أرضهم ؟
حدثت حالات بيع مفردة لأراضٍ، التلة التي بنيت عليها تل أبيب مثالاً، لكن ذلك لا يعني إطلاقا أن يكون البيع هو التبرير لما حدث، يكفي أن نقول أن نسبة ما اشتراه اليهود في فلسطين لم تتعد 6% من مساحتها الإجمالية، وكلها تشكل حالةً شاذة، الحالة الأساس أنّ 531 قريةً وإحدى عشرة من البلدات وضواحي المدن، دمّرت وطرد سكانها بناءً على أوامر مباشرة صدرت عن الهيئة الاستشارية في مارس 1948. وقبل صدور هذه الاوامر، كانت ثلاثون قرية اختفت فعلاً من الوجود.
الأوسمة: Ilan Pappe, مكتبة ايفان, ملف القرى, إيلان بابه, القرار 181, القرار 242, المفاوضات, النكبة, الهاغاناه, التطهير العرقي, التطهير العرقي في فلسطين, الخطة دالت, بن غوريون, حق العودة, سيرة لاجئ
جانفي 12, 2011 عند 4:13 ص |
Ilan Pappe – التطهير العرقي في فلسطين…
يا الله، يا ربّ هذا الكون، كيف تكون الحقيقة مكتوبة بهذا الوضوح ومرفقةً بالدلائل، ونكون مع ذلك جاهلين ؟. إنها لمصيبة تامّة أن لا تعرف كيف بد……