سبعة أشهر مرّت منذ قطعت سيناء حاملاً شهادتي، وعلبة السجائر. سبعة أشهر بالتمام، أنهيت فيها للتو فصلاً دراسيّاً للمرّة الأولى، بعد عدّة جامعات، اليوم ألفّها بشريط أحمر وأضعها على رفٍّ قريب، وعندما يكتمل نصابها و تصير سنةً، أخزّنها بعيدًا عن عيني، قريبًا من متناول الفكرة، في أدراج الذّاكرة. لا أتحرّج أبدًا من القول بأنّي لا أحفظ أعياد ميلاد الأصدقاء، وأنّ الفيس بوك قد حفظ ماء وجهي مرّات عديدة بغبائه المرتّب، الأمر الذي فشل فيه عندما نسيت عيد ميلاد أمّي التي لا “فيس بوك” لها، فذكرتني به أمّي الأخرى، أمّا الثالث عشر من حزيران، فتاريخ لا أحتاج لتذكره إلى فيس بوك، ولا إلى أمّهات، تاريخ أنا أحتاج فعليّا لنسيانه تمامًا، حتى أتحرر من تناقضي، وأكون صادقًا فعلاً عندما أقول أنّي لن أعود، لا أن أقولها، وأصابعي تعد أيّام الابتعاد عن مرمى حجر من بيت طيما، والتاريخ في عقلي يدور .
قد لا يقولها البعض تمامًا، لكنّ معناها في تصرفاتهم واضح، “أنا من غزّة، أنا أسطورة“، هكذا قالت الفتاة الأجمل لي، في إنتقادها لمدخول الفرد الغزّي من ثروة الحصار العاطفيّة،أن يعلن العالم الغطرسة على بقعة جغرافيّة ما، أن تصبح مدينة يوسفًا آخر، لا يحبّه إخوته، يعني أن يدق مندوبو الله، والاعلام، وقت نشرة الأخبار، وصلاة الفجر، أبواب المحاصرين؛ لتسليمهم العوائد. نعم ثمّة عوائد، وثمّة ثروة عاطفية، وثورية، وثمّة باب يفضي إلى الخلود في التّاريخ، في حصار غزّة، عن أيّ معنىً للجمال والصمود سنتحدث، إذا لم نتحدث عن مدينة لا تصدّر إلا الفراولة، والزهور، لعالم يأبى دخول النّور إليها ؟عن أيّ فخر سنتحدث، إذا لم نتحدث عن فخر رؤية جيفارا لبشائر العناد على الحق، وزيارته غزّة قبل أن تصير عالميّة كما هي اليوم ؟
ولكن، وعلى المقابل تمامًا، ثمّة سوء استخدام، وبرجوازيّة في إستغلال تلك العوائد وأوجه صرفها، إنتقاد الفتاة الجميلة منطقي، والمطلوب أن نبدأ غزّيين خصيصًا، وفلسطينيين بالاجمال، بالاستثمار في مشاريع أطول أمدًا، لا أن يكون صرف عائد الحصار في إجابة غبيّة، كنت أجيبها على سؤال ” انت منين ” قائلاً “من غزّة”، كنت مبذّراً في حينها، والله لا يحبّ المبذرين، كنت برجوازيّا، وأنا لست كذلك، ولذا فجوابي منذ قررت الاعتدال، وإلى أن أموت، سيظل “فلسطين”، أنا من فلسطين، وفلسطين هي الصّامدة، هي كلّها تخطو إلى مسرح الأسطورة، لا أنا، ولا كلّ الغزيين..
“كإنّي فلاح من جيش عرابي – مات ع الطوابي وراح في بحرك
كإنّي نسمة فوق الروابي – من البحر جايّة تغرق في سحرك
كإنّي جوّا المظاهرة طالب – هتف باسمك، ومــات معيّـــد *”
ليس ثمّة مظاهرة يهتف فيها الطلاب، ويموتون في عيدهم، ليس ثمّة فلاحيين في جيش عرابي، وليس ثمّة عرابي، غاب الشيخ إمام إلا من قلوب العاشقين، فماذا إذًا في مصر يعينني عليّ، وعليها ؟ في مصر ثمّة القناعة التي يتشاركها ثمانين مليون عربي، ثمانين مليون عربي على انقسامهم حيال خروج الثور من الحظيرة، وحيال السّلام الذي يراه البعض بشرى الرخاء وصمّام أمان النظام، ويراه البعض الآخر – وأنا منهم – نصرًا لا يعطينا قوت الأطفال ويحمينا، إلا أنهم يجتمعون على قاعدة أن مصر ستعود، ستعود أمّا للعرب، قبل أمومتها للدنيا، ستعود بكوبري العبّاس، وبين السرايات وأغاني الشّيخ، مصر ستعود، تلك ليست قناعة فحسب، إنّها نتيجة منطقيّة، نتيجة يعرفها الكل، حتّى وان كان البعض الأوّل يحاول إدّعاء العمى، وكره الرياضيّات، فتراه لتجنب حبل مشنقة التغيير الآتي، يحاول شنق الشّعب، وخنق صوت الأغاني.
وفي مصر ثمّة المدى المفتوح. ثمّة ابتسامة ساخرة على وجهي، جاءت نتيجة حقيقة أن العلم المصري المرفوع فوق متحف القاهرة، بحاجة ماسَّة إلى غسيل، في مصر ثمّة عشّاق موزعين على ضفاف النيل، ثمّة حضن كبير واسع، في مصر ثمّة جمال لا يراه السائحون الأجانب، جمال عازف ربابة يتجوّل قاصدًا وجه الله، وجمال وجبة فول طعميّة أشهى من موائد الأغنياء، وجمال الصّابرين على المر، وثمّة كلمتين يا مصر يمكن، همّا آخر كلمتين : يا حبيبتي، قلبي عاشق، واسمحيله بكلمتين / كلّ عين تعشق حليوة، وانتي حلوة في كلّ عين.
* رسالة إلى مصر – الشيخ امام.
* يا اسكندريّة – الشيخ امام .
الأوسمة: 13\6, فول وطعمية, مصر, يا اسكندرية, القاهرة, الشيخ امام, انشر همومي, اغسل هدومي, بيت طيما, بحرك عجايب, تشي جيفارا, سيرة لاجئ, غزة
جانفي 14, 2011 عند 5:11 ص |
وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها
جانا نهار مقدرش يدفع مهرها
ياااه يا محمود ، ياااااااه .
جانفي 21, 2011 عند 6:18 م |
تمامًا
جانفي 14, 2011 عند 2:22 م |
اعجبتني تدوينتك بشدة .. صدقا
وجدت نفسي افكر واهز رأسي على جملتك الاعتراضية .. انا من فلسطين ! بدون انتباه اصبح انتماؤنا اكبر لاصغر بقاع الوطن الكبير الذي يجب ان نغني له .. وبهتف له المتضامنون بدلا من هتافهم “بالروح بالدم نفديك يا غزة ” !
بكل الاحوال اتمنى لك كل التوفيق .. وان شالله بترجع .. 🙂
جانفي 21, 2011 عند 6:18 م |
ان الله راد
جانفي 14, 2011 عند 10:38 م |
حبيت 🙂
جانفي 21, 2011 عند 6:19 م |
حبّيت الحب
جانفي 14, 2011 عند 11:03 م |
معشوقتي على الدوام مصر ،،،، أرض الكنانة ،،، حبيبتي وذاكرة تأبى النسيان …
تدوينة مميزة كالعادة …
جانفي 21, 2011 عند 6:19 م |
يا مصر عودي زيِّ زمان.
جانفي 15, 2011 عند 8:05 ص |
ستبقى فلسطين أروع أسطورة٠٠
أسطورة بأبنأءها وصمودهم
أمثالك٠٠*
جانفي 21, 2011 عند 6:19 م |
أتمنّى
ماي 18, 2012 عند 9:13 ص |
حتما سنعود الى فلسطين لانها أرض الاباء والأجداد