أمّا قبل :
الساعة الآن الثانية عشرة صباحًا ودقيقة واحدة، لندن ليست هنا، هُنا مصر أمُّ الدنيا وأخت فلسطين الكبرى، وهُنا – بعد حمّام طويل وكأس نسكافيه – محمود عمر يحدث نفسه، وربما يحدثكم، فيما يمكن له أن يُنشر غدًا ويصبح تدوينةً، أو أن يظلّ مسودةً و ويصنّف فشلاً اضافيّا يحتاج جدارًا جديدًا يعلّق عليه، فأن تعيش عربيًا، كان إلى وقت قريب، يعني أن تنفذ منك في تعليق الفشل، والخيبات، كلّ المساحات الفارغة وكلّ الجدران. أن تعيش عربيًا، كان إلى وقت قريب، لا يعني تونس، ولا يعني مصر.
ليس لأنني أستيقظ كل يوم على صورة جيفارا، الارجنتيني الذي قاد ثورة كوبا، وليس لأنني فلسطيني بحّ صوتي وانا اطلب من العرب ان ينتبهوا الى فلسطين، وما يجري في فلسطين، وان يكونوا كما يفترض بهم أصحاب قضيّة، فأولى بي أن أكون صاحب قضية فيما يخصهم أيضًا، وليس لأنني مقيم في مصر، إنّ السبب الذي يدفعني للذهاب إلى التحرير غدًا، ليس بسببي، أنا لا علاقة لي بكلّ ما احمل من خصوصيّة، لا علاقة لي بما سيحدث غدًا، إن مَن في التحرير، هم السبب، والمسبب، وهم أصل الحكاية .
فليمسك بي مخبر وليخرج بي على الفضائيات ليقول أن (غزة\حماس\فلسطين) هي من تحرض على الفوضى والفلتان في مصر، ليفتشني الجيش ويحاكمني على لهجتي الغريبة، فليكن وصفي “أجندة خارجية” ومتدخلاً في شؤون مصر “الداخلية”، أنا مستعد لقبول كلّ الاحتمالات، امام نفسي، وامام من يرسل لي حوالتي كلّ شهر، وامام الله، لكنني لست مستعدًا للنظر في عين المصريين بعد اليوم، وانا لم اكن حاضرًا معهم في الازمات، لست مستعدًا لتعلّم العزف على العود في مصر، وانا لم اغنّ للشيخ امام في المظاهرة، لست مستعدًا للحياة في مصر، مالم اكن مستعدًا للموت على ارضها.
أمّا بعد :
السّاعة الآن الثامنة والنصف مساءً، هنا سكني الذي لم يتغيّر فيه الكثير منذ بدأت كتابة هذه التدوينة بالأمس، اللهمّ أن علم مصر، مصر التي رأيتها اليوم، بات يزيّن الصالة، وغرف القلب. هذا العلم الجميل الذي يغنّي للسّماء، ويظلل على الجموع، ويغطّي المتعبين، أرفعه اليوم، وأعلّقه حيث أسكن، لا ليذكرني بفوز مصر في مباراة لكرة القدم، بل ليؤكد أنني لن أنسى أبدًا ما أحرزه الشعب المصريّ من بطولات دونما أشواط، ودونما حكّام، فاز المصريون على أنفسهم، وكسروا حاجز الخوف، والعلم حتى ولو ظلّت ألوانه كما هي، إلا أنّ وقعه على العين قد اختلف.
ما رأيته اليوم، ما تعمّق تحت جلدي، لا يمكن له أن يظهر في دعاية لوزارة السياحة، الرجل الذي يستقبلك مهللاً بعد أربع حواجز للتفيش على اوّل ميدان التحرير ليقول بملء صوته ” أنتَ في أجمل مكان .. أنت في أجمل مكان في مصر ” لا يمكن له أن يكون مُستأجرًا أو أن يكون هتافه دعائيًّا، الشعور بالانعتاق الذي يتملكك، لا يمكن تزييفه. أمُّ الدنيا ؟ لقد أظهرت ثورة مصر الأخيرة أنّها فعلاً أمُّ للدنيا، لا لأن فيها اهرامات عظام، ولا لأنّها مليئة بالمعالم والآثار، بل لأنّ شعبها فعلاً يريدها كذلك. الشّعب البار بأمّه، ستصير أمّه أمّا للدنيا، الشعب الذي يثور للحق، ستُظهر الثورة أجمل ما فيه، ستسمح له بالتجمع بالآلاف، دون حالة تحرّش واحدة، الثورة ستعطي مفرداته العاميّة آثارًا علاجيّة، فتصير “لا مؤاخزة” التي تقولها لكلّ من ترتطم به في الزحام، تصير بلسمًا، وسببًا لا للعراك، وانما للابتسام.
إن ما يحدث في ميدان التحرير ليس مجرّد اعتصام أو مظاهرة، إنّه تجسيد حقيقي لحالة عبقريّة جماعيّة، قصيدة مطوّلة من آلاف الأشخاص والأوجه، أوبريت تغنّيه فئة تمثل بامتداداتها كلّ الشعب المصري، وإنّ أي اجحاف بحقٍّ الميدان ومن فيه، يمثّل اجحافًا بحقّ أجمل ما فينا نحن البشر، القدرة على التعاون، على التخطيط، على رفض الظلم، بمعنىً آخر، من يرفض ما يحدث في ميدان التحرير، انما يرفض الحالة الآدميّة السوية، وزبدة الأديان، وما خبّئته الملائكة في رسائلها لمن اصطفاهم الله أنبياءًا ومرسلين.
ربما أكون حققت ما قررته وتمنّيته بالأمس، أي زيارتهم من أجلهم لا من أجلي، لكنّ أمنيتي بأن يحققوا هم مطالبهم، وأن ينام الذين يحاولون منهم سرقة غفوة على رصيف جانبيٍّ كي يسهروا ويحرسوا الميدان ليلاً، أن يناموا في بيوتهم آمنين، في وطن حرٍّ، لا يحكمه الطغاة وأسرى البزّات العسكريّة، صارت امنيّة أكبر، أمنية لا تنسى أيّ لافتة كتبها ثائر وهو يحاول التعبير عن رأيه بخفّة دم المصري المعهودة، لا تنسى دفّا يلحن الشعارات فيصير صوت الجماهير أغنيةً تامّة، تنعش الرّوح، وتشنّف الآذان، ودلعه يا دلعه .. مبارك شعبه خلَعُه، وفي رواية أخرى، يا سوزان صحّي البيه .. كيلو العدس بعشرة جنيه.
.
لم يعد ثمّة الكثير لاكتبه. الباقي، وهو الجزء الأكبر من كلّ الذي حدث، غير قابل للكتابة بعد. سيحتاج سنينًا في داخلي لتتشبعه كلّ خلاياي، ليال أقضيها وأنا ابكي دمعًا حلو المذاق من فرحي، مشاويرًا أقطعها وأنا أحفظ ملامح مصر، ربما بعد ذلك كلّه سأفتح صفحة جديدة وأتحدّث. لم يعد ثمة الكثير لاكتبه، مصر من تكتب ومصر سيّدة القلم، أنا سأشير فقط إلى أنّ الصورة من مدونة طفل يكتب فوق جدار، وسأقضي ليلتي أسمع الشيخ امام، وأدق أبواب الله طالبًا النصر لمصر وشعبها، ومذكرًا لي رغم انني لا انسى، ولخطط القدر الفجائيّة رغم ثقتي بطرق عملها التي لا يفهمها أحد، بأن فلسطين لا زالت تنتظر.
..
الأوسمة: ميدان التحرير, مصر ولّادة, مظاهرات, الشيخ امام, بهيّة, سيرة لاجئ, صباح الخير على الورد الي فتّح في جناين مصر
فيفري 6, 2011 عند 7:57 م |
اعطتنا مصر وشباب التحرير اثمن ما قد يهدى المرء
الايمان .. الايمان بكل الاشياء الجميلة التي نسيناها ولم نعد نثق بها
الثورة، التعاون، الامل، الحب ، الكرامة، الارادة .. والحرية
مصر الفلاحين وبهية والتحرير .. شكرا
فيفري 16, 2011 عند 10:59 م |
من القلب شكرًا، من قاع القلب
فيفري 6, 2011 عند 10:00 م |
الشعب المصري الان و قبله التونسي علمنا درسا
صدقني حتى بالحياة العادية – العمل- السرة
صار الواحد الو خلق يجادل
لاني ممكن يتحقق اللي بدو اياه
بعد ما ياسنا انو نغير
هم عطونا الامل
على فكرة صار الموضوع اكبر من ساحة التحرير
بس بضل الاساس هناك
فيفري 16, 2011 عند 10:59 م |
الصح صح، والعدل عدل، والي مش عاجبه يبلّطه للبحر.
اهلين جفرا
فيفري 7, 2011 عند 2:22 م |
نيالك 🙂
فيفري 16, 2011 عند 11:00 م |
عقبالك/عقبالنا
فيفري 7, 2011 عند 2:25 م |
خنقتني العبرة وأنا اقرأ ، لفرحتي فمصر أمنا ، أمنا كلنا .
تحية لك .
فيفري 16, 2011 عند 11:01 م |
أهلا عزيزة.
فيفري 7, 2011 عند 3:01 م |
وآخيراً.. كلنا ” انتمينا إلى المجزرة”
إلى الثورة..
قبل شهر من هلأ مين كان يتوقع كل اللي بيصير بهالأمة
صار عنا حكايا ثورية نحكيها بكرا لولادنا
محمود..
ياسمينة لمصر , ياسمينة لقلمك ووحدة إلك
فيفري 16, 2011 عند 11:01 م |
اهم شي واهم حكاية الحدوتة الفلسطينية
اهلين هلا.
فيفري 7, 2011 عند 6:04 م |
نيالك يا محمود ..
بتعرف احلا شيء بالقصه الاحساس اللي ما بنكتب ..
ايمتى جاي دورنا ؟!
فيفري 16, 2011 عند 11:02 م |
قريبًا. أقرب مما ننتشاءم.
فيفري 7, 2011 عند 7:30 م |
مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر
رائع يا صديقي ما قلته… جرعات أمل كبيرة بالحق والإنسان، بالخير… هيدا الشي يل عم نعيشو…
مش رح احسدك وقول نيالك كرمال هلّق بمصر… رح نجي بفتكر كلنا نحجّ بميدان التحرير انشالله بعد قليل… نزور أم الدنيا، هالأرض..
عندي كمان تعليق بسيط بخصوص تصميم الرسم، لأن أيضاً (إضافة لكلماتك) في إبداع جداً حابب استفسر كرمال حفظ حقوق النشر،
تحياتي محمود
فيفري 7, 2011 عند 7:31 م |
نوّرت حسين
بالنبسة للصورة انا اشرت الى انها من مدونة طفل يكتب فوق جدار، وطبعا الحقوق محفوظة تماما للمبدعة يلي بترسم هالصور.
فيفري 8, 2011 عند 6:08 ص |
http://www.facebook.com/l.php?u=http%3A%2F%2Fwww.youtube.com%2Fwatch%3Fv%3DfSKuFpSJzMU&h=d2ebb
الفيديو + رسمة زهراء مجدّداً + هالتدوينة ..
اشي بعرفش اوصفه ،
بس ، ممتنّة أنا جدّاً .
فيفري 16, 2011 عند 11:02 م |
(F)
فيفري 8, 2011 عند 4:25 م |
كنت دائماً أتمنى حدوث ثورة طالما أنا على قيد الحياة..
وأخيراً حدثت الثورة,ورأيت الثوار المتمردين على واقعهم.
رأيت شباب في عمر الورود يقودون هذه الثورة..وشباب
في عمر الياسمين يستشهدون لأجمل الأوطان وحريتها..
وعقبال أغلى وأحلى الأوطان( فلسطين )..
ويكون محمود وإحنا من الثوار إن شاء الله..
فيفري 16, 2011 عند 11:04 م |
آمين يارب، آمين.
نوّرتي.
فيفري 8, 2011 عند 10:00 م |
محمود ..بوركت ولا تعليق
فيفري 16, 2011 عند 11:06 م |
..
(F)
فيفري 9, 2011 عند 9:02 ص |
تحية
لقد تم نشر التدوينه في تجمعنا مدونات من اجل التغير
فيفري 13, 2011 عند 3:21 ص |
محمود … أجمل شئ أان أعود إلى هنا وأقرأ ما كتبته من نبض قلبك ليكون كل ما كتبته عن مصر هو الأجمل لأن الروح قد عادت لكل حرف من حروف إسمها ,, مبروك النصر لكل أم شهيد سقط ومن دمه الغالي استفاق النائم نمن سباته ولكل شاب وشابه نزل لساحة التحرير يرفع قبضات يديه عاليا ليقول دمي لتراب ارضك يبلادي يامصر … ولنا كعرب
ويعجز الكلام أن يقول أكثر من مشاهد الصور الرائعة التي رسمها نصر هذا الشعب
فيفري 16, 2011 عند 11:07 م |
أهم شي يكملوا للآخر، الله، والقلب، معاهم.