29/8/2011
ناجي,
كنتُ طفلاً حين قرأت للمرّة الأولى جملتك التي تقول فيها: الي بدّو يكتب لفلسطين، واللي بدّو يرسم لفلسطين، بدّه يعرف حاله ميِّت. لم يصعب عليّ في وقتها أن أجد تفسيرًا لموتنا المحتّم إن نحن اجتهدنا في الحياة؛ إسرائيل. ولدتُ أثناء حظر للتجوّل وعلى بعد نصف ساعة بالسيّارة من مفاعلها النووي، فكيف لا تكون هي، البلد المفتعل القبيح، علّة موت الكتّاب والرسّاميين ؟. هذا وظلّت إسرائيل وحدها مرتبطةً بمقولتك حتّى كبرت بالحدّ الكافي -وليتي ما كبرت- لأكتشف الأنظمة العربيّة. بعض الأشقّاء العرب هم أيضًا من مسببات الوفاة. اليوم، بعد أربع وعشرين عامًا على رحيلك، أضيف سببًا جديدًا، قد يبدو هامشيًّا، لكن الموت نفس الموت. الّي بدّه يكتب عن فلسطين، أو يرسم لفلسطين، أو يحب فلسطين، بدّه يعرف حاله ميّت؛ من القهر.
هل أبدو متحاملاً؟ متشائمًا؟ فليكن يا ناجي، فليكن!
أنت في الجنّة، ترسم، تضحك، ولا ترى ما أراه من مشاهد قبيحة. هل تتصفح الأخبار في الجنّة ؟ لا طبعًا، ليس عندكم أخبار ولا تصلكم الصحف. هل تحمل جواز سفر سلطة فلسطينيّة؟ لا أعتقد. هل اتفق الجميع في زمنك أنّ حيفا، وطبريّا، ويافا، والشجرة -حيث ولدتَ أنت- مدن في بلد آخر لا في فلسطين؟ لم يفعلوا، ليس بهذه الشّراسة على الأقل. هل كان على عهدك القول بأنّ البندقيّة أقصر الطرق إلى فلسطين قولاً متخلفًا ورجعيًا ودمويًا وعابثًا؟ ربما كان كذلك، لكنّه في عهدي صار خطاب “فنّ الخطاب”. هل فشل كلّ من حولك في إجراء عمليّة حسابية بسيطة تثبت لهم أن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني ليسوا في الضفّة ولا غزة كما فشل كلّ من حولي؟ لا تتعب نفسك بالاجابة، كلّ الرياضيات التي قد تعنيك هي “230191” رقم قبرك في لندن، ونعم يا ناجي، لا ترفع لي حاجباك، قبرك ما يزال في لندن.
ليس هذا فحسب، محمود عباس، بعد عرفات الذي هدد بإحراق أصابعك، صار رئيسًا لدولة فلسطين، وللسلطة الفلسطينية، ولمنظمة التحرير الفلسطينيّة. وهو في هذه اللحظات الأخيرة من شهر آب، يعدّ العدّة للقفز، هو ومن معه، إلى إستحقاق أيلول. ما هو إستحقاق أيلول هذا؟ قد تسألني، لا تشغل بالك كثيرًا، مجرّد إستحقاق لو نجح فستصبح فلسطين دولة على ما تبقى من الضفة الغربيّة وستتحول السلطة الفلسطينيّة إلى حكومة رسميّة وسنصير “دولةً تحت الاحتلال”، دولة هي جزء من صراع حدوديّ قديم لم يعد أحد يتذكر أسبابه، وستصير قضيتنا، قضية فلسطين، رواية ممتدّة عن قصة غزو صدام للكويت، دولة تحتل دولة، وعند بان كي موت تجتمع الخصوم.
حماس أيضًا لها دولة، بغض النظر عن الأسماء، في غزّة. دولة بورتابل، مع أوّل غارة لاسرائيل يأمر الحاكم بأمر الله فيها بإخلاء السجون، والمقرات الحكوميّة، والوزارات، ويؤكّد عبر الاذاعات المحليّة أنّ الحكومة سوف تتصدّى للعدوان، ومع بدء التهدئة، يعود النشاط الحكوميّ، بسرعة خارقة، إلى ملاحقة كل شاب وفتاة، وفرض الضّرائب على شعب محاصر. على ذكر الحكومات، هل وصلتكم في الفردوس نكتة فرق التوقيت بين غزّة والضفة ؟ هذا يا سيدي في بلد طُهرت عرقيًا عام 1948، احتلّ ما تبقى منها عام 1967، وقّع البعض على الاستغناء عن أكثر من 70% منها عام 1993، وأصبحت دولتين عام 2007، وفي عام 2011 صار هناك فرق ستّين دقيقة بين الدولتين.
اللاجئون؟ اللاجئون لا زالوا لاجئين، و عين الحلوة لا تزال مفتوحة لترى معي كلّ هذا القبح. لا مجال للبناء أفقيًّا في المخيّم، إلا بناء الحُلم، حلم العودة الذي يصعد الى السماء وقد عَلقت به أسلاك الكهرباء وآثار المعارك التي محوها من التّاريخ .
أنا متعب يا ناجي، لست متعبًا من فلسطين، أنا متعب منّا، مما أصبحنا، مما آل إليه كلّ شيء. لست يائسًا، لاسيّما بعد الربيع العربيّ الذي سأحدثك عنه لاحقًا، لكنّي متعب؛ ربما لأنّه صار صعبًا في هذا الزمن العبقريّ أن أفهم الصراع بأن “نصلب قاماتنا كالرياح ولا نتعب”، لكنّي أريد أن أفهم، ولهذا أكتب إليك.
أتمنّى أن تقرأ رسالتي بصدر رحب، وتردّ عليّ ولو بكلمة.
التوقيع
فلسطيني يحب فلسطين،
ويكاد يموت قهرًا.
الأوسمة: لندن, ناجي العلي, إستحقاق أيلول, الشجرة, بريد الجنة المستعجل, حنظلة, عين الحلوة
أوت 29, 2011 عند 7:45 م |
مكالمة خارجية
قلتله إنه ناقصهم شوية كرامة؟
سبتمبر 13, 2011 عند 11:20 م |
Great Article very nice
أكتوبر 6, 2013 عند 11:45 ص |
شو هدا الجمال؟؟؟؟؟؟؟