الحارس في حقل الشّوفان.


J. D. Salinger

J. D. Salinger

من الطبيعي أن تكون هذه، بطابعها العدائي، واحدة من الصور القليلة المتوفّرة لابن الزانية سالنجر على شبكة الانترنت. شخص يكتب رواية مثل «الحارس في حقل الشّوفان», كيف ستُلتقط له صورة؟ متمددًا بالقرب من أحد شواطئ هاواي يتناول شرابه من جوزة هند؟ جالسًا في أحد المقاهي الثقافة في نيويورك؟ لا طبعًا. ستُلتقط صورته وهو يحاول أن يلعن شرف المصوّر الذي، كما كلّ المصورّين، يحاول حبسه في إطار إلى آخر أيام الوجود على سطح هذا الكوكب البائس. حُبس في الإطار نعم، لكنّه حبس بعيدًا عن الماكياج والكلام الرث، حبس حقيقيًّا وحرًّا.

سالنجر، الروائيّ الأميركي الذي فارق الحياة يوم السّابع والعشرين من يناير من العام الفائت, لايملك في رصيده من الأعمال المنشورة سوى بضعة قصص قصيرة نشرت أغلبها في «النيويوركر»، روايات أخرى قليلة لا أعرف عنها شيئًا لعدم ترجمتها إلى العربيّة، ورواية لا أبالغ حين أقول أنها هزّت العالم، وهزّته شخصيًا، فانزوى بعد نشره إيّاها واشترى عام 1953 بيتا في منطقة كورنيش، في نيو هامبشاير، واختار العيش في عزلة، ولم يتعامل مع أي كائن بشري يملك قضيبًا، وحدهن النساء كنّ يدخلن حياته ويخرجن منها الواحدة تلو الأخرى. الحارس في حقل الشّوفان، المنشورة له عام 1951، بيع منها أكثر من 65 مليون نسخة، ولا تزال تحتفظ بمكانتها إلى لحظة كتابة هذه التدوينة اللعينة.

بإمكان أي مقال كُتب عن الرواية أن يعلمكم أنّها تدور حول مراهق اسمه «هولدن كولفيلد»، يطرد من المدرسة للمرّة غير الأولى ويسرد، بلغة خطابيّة حادة، أحداثَ ثلاثة أيّام تسبق يوم الأربعاء، اليوم الذي تصل فيه رسالة طرده إلى أهله. سيخبركم المقال أيضًا بعض صفات الرواية، وكيف أنّها غرّدت خارج السرب، وكسرت القوالب، وبصقت في وجه المنافقين ومدّاحي الحلول الوسط. سيضيف المقال أنّ كولفيلد أصبح مثالاً للشباب الممتعض من واقعه، الكاذب والصّادق في آن معًا، القدّيس الذي يحمل كأسًا من الويسكي بالصودا في يده، يتسكّع وهو يسبّ الأفلام ويفكّر في المكان الذي يهاجر إليه البط شتاءً.

أمّا ما أحاول أنا إخباركم إيّاه فهو أنني قرأت الرواية على دفعتين، الكترونية في الأولى ومطبوعة في الثانية. كنت أحتسي أثناء قراءتي فصولها الأخيرة «مجًّا» من النسكافيه شربته حتّى آخر قطرة، لكنّه عاث في معدتي فسادًا لسبب ما، فأضطررت لأخذ الرواية معي إلى الحمّام. في الحقيقة، سعدتُ بترتب الأحدث ذاك؛ إذ بدا لي أن الحمّام مكان ملائم لانهائها أكثر من أي مكان آخر في العالم.

الرواية مثلت لي، بدفعتيها، عطفًا على العديد من تساؤلاتي القديمة الجديدة، لعلّ أهمها هو – كيف يحرّم الله الكذب على الانسان؟ أعني كيف يمكن له أن يخلق مخلوقًا كذّابًا منافقًا، نرجسيًا، شرهًا، ثم يحرّم عليه الكذب؟ قد تقول لي أن الانسان ليس كذّابًا بطبيعته، حسنًا .. تخيّل يومًا واحدًا والنّاس كلها لا تستطيع الكذب. سيدوّي صمت رهيب وتنتهي معظم العلاقات البشريّة! أطمئنك .. الحياة ستستمر بعد فترة معينة، فالانسان مخلوق مبدع؛ سيتعلّم الكذب بلغة الاشارة!.

الزّيف والتقليد وعقد النقص والغيرة والمصلحة الشخصيّة، هذا الخليط هو وقود الحياة البشريّة اليوميّة، أمّا الحارس في حقل الشوفان فانّها «ليست جراحة خطرة” بل محاولة جادّة لعلاج «ورم في المخ»، وجهةُ نظر تعتقد أنّ «تسعة أعشار الذين يبكون عند مشاهدة أكاذيب السينما هم في حقيقتهم أولاد زواني, أدنياء.» تعزية جميلة بأنّك «لست الانسان الوحيد في التاريخ الذي اختلط عليه الأمر وارتعب بل وتقزز من السلوك الانساني. لست وحدك الذي تعاني من هذا الشعور، وسوف يزداد حماسك وتكبر دوافعك لأنّ تعرف أن الكثيرين قد عانوا أخلاقيًا كما تعاني أنت الآن».

الأوسمة: , , , , , ,

7 تعليقات to “الحارس في حقل الشّوفان.”

  1. هداية الحاج Says:

    إنَّ جزيئات المادة تتجّه نحو قمة الفوضى مع مضيّ الوقت..

    ربما قرأ صاحبك العابس هذا القانون يوما ، وأمعن في تناقضاته .

    “عفارم عليك يا محمود”

  2. Ahmad Yaz Says:

    في شيء إنساني كبير في النص يبدأ بخيط رفيع ولا ينتهي

  3. Yuxx Says:

    منحتني الرغبة في قراءتها. حمّلتها للتو، شكراً 🙂

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s


%d مدونون معجبون بهذه: