شكرًا لأنّك تحبّ لهجتي. الفلسطينيّون نادرًا ما يغيّرون لهجتهم، ربّما كان ذلك لصعوبة تغييرها، وربما لأنهم ببساطة لا يريدون ذلك، المؤكّد أنّ التحرير يتقبّل لهجتي القرويّة الفلسطينيّة ويسمعها كما يسمع أحمد رامي أمّ كلثوم.
شكرًا لأنّك تفتّشني. شكرًا لمن يبحث في جيوبي، يفتح حقيبتي ويستغرب من رواية لميلان كونديرا أحملها معي. في فلسطين التفتيش يعني أمرين: الاحتلال ( وهو سيء ) والسلطة الوطنية ( وهي أسوأ ). في فلسطين التفتيش يعني الإهانة، يعني فرد الرّوح على الطاولة، وتشريحها على عجل. التفتيش يعني الحاجز، يعني الانتظار، يعني الفصل العنصري؛ أمّا في التحرير فالتفتيش يعني الأمان، ويعني الطمأنينة.
شكرًا لأنك تدعني أدخل؛ هكذا، ببساطة، دون توصيات، دون موافقات أمنيّة، دون تأشيرة، ودون شتيمة تمارس عزفًا بذيئًا على طبلة أذني. شكرًا لأنك بلا ختم إسرائيلي، وبلا شبّاكين: واحد لغزّة، والآخر للضفّة. بلا سفارة، وبلا استعجال خشية الاغلاق، وبلا حديث إسلامي مؤقّت ينتعله اللسان بغية الحصول على “تزكية” من حكومة تحبّ الله كثيرًا.
شكرًا لأنّك واضح؛ لا تعجبك التنازلات ولا الحلول الوسط. لا جدل فيك حول الغاية، جدلك الحضاريّ حول الوسيلة. لا إنحدار ولا تفاوض ولا مقاومة موسميّة أثّر فيها الاحتباس الحراري عكس تأثيره على كمّ المطر. تخطئ لتتعلّم، تتراجع لتكسب شرف القفز أبعد، لا مناص ولا داعي ليتحسس المرء رأسه. لا فسحة بين جموعك كي يشعر المرء بالوحدة، أو يشعر القلب بالاغتراب. ربما يكون هذا هو “العيش في الحقيقة” الذي تحدث عنه كافكا.
شكرًا لأنّك تدهشني. ترفع لي حواجبي، وتنفخ فيّ من روحك. كلُّ شيء جديد: الطبقة الرقيقة على وجه النّيل، الشوارع الجانبيّة، الجسور، العَمارات، بائعو أقنعة الغاز، حملة الأعلام، تمثال عبد المنعم الرياض، ، أوّل شارع محمّد محمود، شعوري تجاه الإسلاميين، كلّه جديد. هل يكون ما أقصده أنّك تعطي الحاجّ إليك فرصةً ليرجم اللامبالاة، والاعتياديّة، والجمود، والرتابة، والتوقعات، والنظريّات، والجبناء .. بسبع جمرات؟
شكرًا لأنك تشغلني؛ تؤمم عقلي. بسببك أنت أنا لا أملك فكرة عمّ دار بين عبدالله وعبّاس في المقاطعة برام الله ولم أقرأ مقالات صحفيين باتت وجوههم مماثلةً تمامًا لمؤخرة الضيف ومؤخرة مضيفه. بسببك أنت لم أسمع جيّدًا عواء فيّاض من أجل “أموال السلطة”، ولم يتسن لي معرفة من اعتقلت “حماس” مؤخرًا، وأيّ فكرة صادرت. لم أشاهد الفيديو الذي ظهرت فيه “صرماية” كريستانيو رونالدو التي قرر أن يتبرّع بها إلى “أطفال فلسطين”؛ لم تجد شفتاي وقتًا لشتم من صفّق ومن نشر الخبر؛ كانتا تهتفان بإنهاء ما أهو أهمّ من الفهم المغلوط للتضامن، لم أرفع اصبعي الأوسط في وجه من دمعت عيناه “تأثرً” ببادرة “رونالدو”، يداي وجدتا شيئًا أقل خراءً للخوض فيه. مَنعت عنّي كمّا هائلاً من الهراء؛ وأبدلتني إيّاه بما هو قيّم: أحمد حرارة، مالك مصطفى، أحمد عبد الفتاح، أحمد الفقي، ولا زلت تعطي، يا كريم.
شكرًا لأنّك تفرك لهم آذانهم، ترفع سبّابتك في وجههم، أولئك أصحاب الذاكرة الخفيفة. تتحدث بصوت رخيم آتٍ من أحشائك – أكاد أراه عبر جسدك الشفاف يصعد كبخار الماء إلى حنجرتك-: تذكّروا .. الطريق إلى مصر، إلى تونس وسوريا واليمن وفلسطين وكل الأوطان الجميلة ليست قريبة ولا بعيدة، إنها بمسافة الثورة*، تقولها وتميل نحوي وتسأل: أليس كذلك؟؛ فأهزّ رأسي.
* ميدان التحرير، عن ناجي العلي.
الأوسمة: Egypt, Palestine, Tahrir, فلسطين, كافكا, ميدان التحرير, محمود عباس, مصر, اليمن, الدهشة, تونس, ثورة 25 يناير, حكم العسكر, رام الله, سلام فياض, سوريا, سيرة لاجئ, شارع محمد محمود, غزة
نوفمبر 23, 2011 عند 5:52 م |
أيضاً، شكراً محمود
ديسمبر 9, 2011 عند 2:40 م |
أهلاً أحمد
ديسمبر 1, 2011 عند 1:06 م |
أبدعت يا محمود فشكرا لك ,,وشكرا للتحرير الذي يجمع الكل دون تأشيرات ودون إذن مسبق بالدخول ,,شكرا لله على التحرير .
ديسمبر 9, 2011 عند 2:40 م |
وشكرًا لكِ يا وجد : )
ديسمبر 1, 2011 عند 1:23 م |
أوجزت فأباغت فأحسنت إلى أن أبدعت فأعجزتنى عن الشكر … شكراً لك
ديسمبر 9, 2011 عند 2:41 م |
يا أهلاً محمّد
نوفمبر 25, 2012 عند 7:53 م |
في مشهد من فيلم المصير (اللي هو مصيبة بحد ذاته) لما سناء يونس بتقول عن ابنها وهي لاوية بوزها “من صايع لأمير مرة واحدة”، بينط براسي كل ما بقرألك أي إشي بتحكي فيه عن السلطتين تبعنا بقعد أتخيلك بتقوله وبضحك مع إني عمري ما شفتك 🙂