Posts Tagged ‘الربيع العربي’

حتى تتخلّى إيمان مرسال عن فكرة البيوت.

أفريل 17, 2013

محمود عمر

ترى إيمان مرسال (1966) ما نعجز نحن، لفرط انشغالنا، عن رؤيته. تمسك بلحظات إنسانيّة تكاد تبدو عاديّة قبل أن نكتشف حين تصيّر تلك اللحظة شعرًا كم كنّا نحن مخطئين وعاديين. الشاعرة المصريّة المقيمة في كندا تكتب قصيدة سرديّة حديثة تطول حينًا وتقصر أحيانًا، لكنها تظلّ، في كلّ الأحوال، محتفظة بنصيب وافر من الذكاء والخفّة وربما قلنا: من الفلسفة.

eman_mersal-2في ديوانها الأخير «حتى أتخلى عن فكرة البيوت» الذي صدر عن داري «شرقيات» و «التنوير» تهجس إيمان مرسال بالحب، بالمنفى والمسافات الطويلة. الديوان الذي يقع في 92 صفحة ويضم 37 قصيدة مكتوبة بين 2007 و 2010 مقسّم إلى ثلاثة أجزاء هي: «وفاتتني أشياء». «ونصنع وهمًا ونتقنه». «الحياة في شوارعها الجانبيّة». صدرت لمرسال من قبل أربعة دواوين هي: «اتصافات» (1990)، «ممر معتم يصلح لتعلم الرقص» (1995)، «المشي أطول وقت ممكن» (1997)، و «جغرافيا بديلة» (2006). ويبدو أنّ الشاعرة التي طلّقت الشعارات الكبيرة لا يزال في جعبتها المزيد.

في حديثها لإذاعة مونت كارلو الدوليّة، قالت إيمان مرسال عن الديوان: «طبيعة اللحظات والتجارب التي عشتها ساعدتني كثيرًا في الكتابة». اللحظات تلك، حين نقرأ الديوان، نكتشف كم هي لحظات هشّة وعابرة لولا نقاط تفتيش إيمان مرسال التي تستوقفها وتفتّش فيها عمّا هو أبديّ. في قصيدتها «مقبرةٌ سأحفرها» ترسم مرسال مشهدًا لها وهي في طريقها إلى المقبرة التي ستحفرها للعصفور الميّت بين يديها. الجنازة المكونة من شخص واحد كان يجب أن تكون مهيبة، تقول القصيدة، «لولا هذا الحذاء الرياضيّ» تقول القصيدة والقواعد التي لم يكتبها أحد، واتّفق عليها الجميع.

التخلّي كلمة مركزيّة في حياة الشاعرة الأربعينيّة، وفي اشتغالاتها الفكريّة. سواء كان ذاك التخلّي كبيرًا وقديمًا حين يتعلق الأمر بشعارات القوميّة والقضايا الكبرى (في الديوان قصيدة عنوانها «كأس مع أحد القوميين العرب»)، أو كان تخليًا متأخرًا وفرديًا. عن الأخير قالت إيمان مرسال: «هذا هو النضج بالنسبة لي، أن تتخلى عن مقولات حول الكتابة والغرض منها. مقولاتٌ كنت أنت نفسك قد وقفت وراءها ودافعت عنها».

«الربيع العربيّ» ليس ربيعًا حقًا بالنسبة لإيمان مرسال. في لحظة الاندلاع، لحظة القمّة، كانت تشعر، وكثيرون معها، أنّ ما يحصل «أكبر منّا كأفراد». ربما سمعت هي أيضًا «أجنحة التاريخ ترفرف فوق ميدان التحرير»، لكن المستقبل القريب كشف عن بؤس الخطاب الثوري، إذ قدّمت الانتفاضات جديدًا في الغرافيتي والموسيقى لكن «أبدًا ليس في اللغة»، حسب رأي الشاعرة البعيدة.

في قصائد الديوان الأخير، ليس هنالك مستوى واحد للواقع، بل عدّة مستويات. في قصيدة قصيرة نسبيًا، يمكن لإيمان مرسال أن تنتقل، وتنقل معها القارئ، من قارة إلى قارة، من توقيت إلى توقيت. إقامتها في بلد بعيد عن «هنا» جعلها تورده في القصائد على أنّه «هناك» وتتساءل بسخرية بيضاء: «ماذا يفعل شخصٌ جاء إلى «هنا» ليقرأ قصائده عن «هناك» / لأناسٍ ليسوا من «هناك» حين يأكله الذنب / سوى أن يقف مثلي الآن في شرفة فندق خمس نجوم ويشعل سيجارة / ثم يلعن العالم بالصراخ والهمهمة».

عن اليوميّ والمعاصر، عن السير الذاتيّة وتلك «الحياة التي حَشرَ فيها أكثر من أب طموحه، أكثر من أمّ مقصاتها / أكثر من طبيب مهدئاته، أكثر من مناضل سيفه، أكثر من مؤسسة غباوتها، أكثر من مدرسة شعرية تصوّرها عن الشعر». عن العالم الذي ينقصه شبّاك أزرق، عن الحبّ الذي قد يكون نسيان رجل لساعته بجوار السرير، وعن فكرة البيوت تكتب إيمان مرسال. تكتب حتى تتخلّى وتقول: «ليكن البيت هو المكان الذي لا تلاحظ البتة إضاءته / السيئة، جدار تتسع شروخه حتى تظنها يومًا بديلاً / للأبواب».

نُشر هذا المقال في الصفحة الثقافية لمجتمع شبكة القدس الاخباري.

غزّة للربيع العربي: شكرًا.

أوت 9, 2011

دعوني أقولها لكم بصراحة، لا أحد فينا، نحن الفلسطينيون البسطاء الذين لا نجيد التبرّج الثقافي ولا نبيع كلامًا ولا نحجز تذاكرًا لحضور فيلم “ليلة القبض على القصيدة” في غزّة، لا أحد فينا كان يصدّق فعليًّا، وبكل وجدانه، عبارةَ “شعبنا العربي الأبي” التي كانت تصدح بها شاحنات volkswagen  وهي تجوب شوارع القطاع تدعو لمسيرة أو تذيع بيانًا أو تهنّئ الغزّيين و”عموم الشعب العربي البطل”، عن طريق سمّاعات ضخمة محملة على متنها، بشهر رمضان أو أحد العيدين اللذين يعقبانه.

“شعبنا العربي” .. الكوبليه الموجود في كلّ الأغاني، لا أحد فينا يفكر فيه، لا أحد يتمعن في مضامينه الموسيقيّة، لكنه دائمًا هناك، ورقة تحت الطاولة تساعدها على الاتزان، صندوق مغلق نتوارثه ولا نعرف ما الذي في داخله، وإلى فترة قريبة، لم نكن نرغب في أن نعرف، فالبعض مشغول – في سرّه – بشتم حكومة غزة، والبعض بشتم حكومة رام الله، والكل يجتمع على شتم شركة الكهرباء، والبحث عن لقمة العيش، أمّا العرب، في الوعي الرّاهن المشترك لسكّان القطاع، وخصوصًا للشريحة الشابة التي ولدت قبيل اوسلو وترعرعت أثناء انتفاضة الأقصى، فهم رقم يضاف ويطرح ولا أثر له في معادلة الحياة اليوميّة. حتّى أثناء العدوان على غزّة، لم يتطوّر المرجوّ من الجماهير العربيّة إلا إلى مستوى الإسراف العاطفي متمثلاً في مسيرات التضامن وقوافل فكّ الحصار، لا الخطوات الملموسة على أرض الواقع والتي تقود إلى حراك سياسي رسمي على مستوى أنظمة تخضع لصوت مواطنيها، أو تنهار وتستبدل تحت ضغطهم الثوري، فمثلاً .. لو قال غزّي بسيط لغزيٍّ بسيط آخر  أن المصريين سيثورون على مبارك لسبّ له الدين ورد عليه بنبرة واثقة: ابقى قابلني.

ملك الغابة راكب دبابة - في غزة

ملك الغابة راكب دبابة - في غزة

ملك الغابة راكب دبابة، والمرسومة مؤخرًا في غزة على يد شباب فلسطيني من الشريحة آنفة الذكر، تُلخّص “التحوّل الثاني” الذي تعرض له الوعي الجمعي لدى الفلسطينيين بعد الربيع العربي. التحوّل الأول كان مرتبطًا بصدمة رؤية شباب آخر، غير فلسطيني، يحمل الحجارة ويهتف للشهداء، فبعد أن تعوّد الفلسطيني على المسرح مطوّبًا باسم أقدامه، ومطليًا بفصائل دمه الضيّقة، لم يجد غير الكرسيّ قبالة التلفاز مكانًا له، كغيره من متابعي الربيع العربي. حاول كهنة النضال تقزيم ذلك التحوّل الأول والتقليل من أثره بالقول بأن الجماهير العربية تقلد الفلسطينيين وأننا أصحاب الحق الحصري بتأليف الشعارات وحرق الاطارات، لكنّ الصدمة مرّت وآتت أُكُلها، وتمّ التحول تمامًا كاملاً؛ إذ بات من البديهي اليوم أن نقول بأننا، كفلسطينيين، عاديّون، و” أَننا لسنا ملائكةً، و أَنَّ الشرَّ ليس من اختصاص الآخرين*”.

(more…)


%d مدونون معجبون بهذه: