إنّ ردة فعلي الأولى، فلسطينيًا، على رواية “الطنطوريّة” للعبقرية الدافئة رضوى عاشور، هي استحضار مثل جدّي المأثور، الذي كان ليصدح به قائلاً لها، يا رضوى ” يسعد البز الي رضّعك “، ولك قارئي العزيز ان تستحضر جدّك أنت، وتقول في سرّك وفي العلن لرضوى : أنتِ يا سيدتي أخت رجال، من ظهر راجل، إمرأة بسبعين ألف مليون راجل، أنتِ الرسالة العشقيّة في جيب الفدائي الذي سبح عائدًا إلى بيروت، أنت جدعة، ومن جبينك بيطل الصبح. كم وددت ولا زلت يا رضوى، يا أمّ تميم، أن أهديكِ ثوبًا فلسطينيًا طرّزته أياد فلسطينيات من بلاد الطوق، ومن المنفى، ومن الداخل، ومن داخل الدّاخل في هذا العيد، بعد أن أهديتني الطنطورية، وصيدا، وعين الحلوة، ويبروت، والاسكندريّة، بعد أن أهديتني فيضًا من الدمع المسوّر بالفرح. ثمّة حالة تشبه تمامًا مشهدَ الرواية الأخير، حالة تبكي فيها وأنت تضحك، كأنّك تمامًا تقف – كرقيّة بطلة الرواية – على جانبي سلك شائك، بين الفرح، والحزن، بين الانتصار، والهزيمة.
Posts Tagged ‘مكتبة ايفان’
الطنطوريَّة : رضوى عاشور, يسعد البز الي رضّعك!
نوفمبر 16, 2010Ilan Pappe – التطهير العرقي في فلسطين
نوفمبر 9, 2010يا الله، يا ربّ هذا الكون، كيف تكون الحقيقة مكتوبة بهذا الوضوح ومرفقةً بالدلائل، ونكون مع ذلك جاهلين ؟. إنها لمصيبة تامّة أن لا تعرف كيف بدأت القصّة، ومن أين بدأت، ومن شارك فيها، ومن نأى بنفسه، وإنّها لمصيبة أشد وأكبر، أن لا تجبرنا معرفتنا على الجهر بالحقيقة، وعلى اعتزال النفاق والمحاباة. إنّ تفاصيل التفاصيل مطلوبة مني ومنك، ذلك أن بندقية تجهل سبب وجودها، وتجهل وجهتها الفعليّة، بندقية رصاصها مرتد، وزنادها رخو كأصابع حاملها.
باب الشمس | من الأوّل
أكتوبر 17, 2010
من الأوّل، من أوّل الأول، من الجليل، دير الأسد، الغابسيّة، شعب، ترشحيا، من بيروت، برج البراجنة، تل الزعتر، شاتيلا، من عمّان، القاهرة، من فلسطين، ومن الأوّل الأوّل تبدأ هذه الرواية الكبيرة، تبدأ بالنكبة، تحكي عن النكبة، وعن المنكوبين، وتأخذ في نهايتها القارئ إلى جانب هادئ من الثورة الفلسطينية، نعم للثورات جوانب هادئة، لكننا نجهلها لأننا نجهل كيف نبدأ من الأوّل، لا نقتنع بان الثورات، بأن الموت، انما وجد لتحقيق المستحيل، لا الممكن، الممكن يمكن عمله في مختبر، أمّا النصر فيحتاج ثورةً، وموتًا وحبّا، ورواية.
“باب الشمس” رواية كبيرة جدًا، ولا أقصد هنا صفحاتها التي تتجاوز المئات الخمس، أقصد فحواها، إنها رواية كبيرة، فيلم وثائقي مكتوب وممتد على مدى عقود، ضفائر سوداء وناعمة لا سلطان عليها إلا للريح. وكأيّ كبير، فإنّ انطباعي عنها كبير، كرهتها، وأحببتها، مللت منها، وملّتني، لكنني أكملتها، من ألفها إلى يائها، من الغيبوبة إلى الغيبوبة، ومن نهيلة 1، إلى آخر إصدار من نهيلة التي صرخت في وجه محققي الأرض ” أنا شرموطة ” فخرجت من قسم الشرطة تقطر شرفًا. السيرة الذاتية للكاتب الياس خوري سيرة متشعبة، لكنها لم تقنعني بتاتًا أن ذلك يكفي لكي يكون روائيًا جيدًا، الذي أقنعني هو ما كتب، ما أخرج، ما فتح من أبواب في باب الشمس.
فرج – رضوى عاشور
أوت 1, 2010
وأمي حافظة شوارع مصر بالسنتي
تقول لمصر يا حاجّة ترّد يا بنتي
تقولها احكي لي فتقول ابدأي إنتي
وأمي حافظة السِيَر أصل السِيَر كارها
تكتب بحبر الليالي تقوم تنوَّرْها
وتقول يا حاجة إذا ما فرحتي وحزنتي
وفين ما كنتي أسجل ما أرى للناس تفضل رسايل غرام للي يقدّرها*
“فرج” هو عنوان الرواية التي قرأتها لرضوى على جرعتين، الأولى في الميكروباص، والثانية في البيت، رواية تمزج في قطعها المتوسّط بين الخيال والواقع، السيرة الذاتية والتأليف، “البانوبتيكون**” والخصوصية الحميمة لشخصية الروائية الرئيسة “ندى عبد القادر”، وهي الشخصية التي “تختلف ظروفها مع رضوى عاشور، لكنها تشبهها شبهًا مؤجلاً، الفتاة التي بدأت دراسة الهندسة، وانتهى بها المطاف لتتخرج من جامعة القاهرة – كلية آداب، شكّلت نقطة الارتكاز في السرد الزمني المتصاعد، عبر العقود الخمسة الأخيرة في القرن العشرين، والتي تشكل زمن الرواية.
ندى عبد القادر، وهي ابنة لدكتور مصري متخرج من السوربورن، ومتزوج من فرنسيّة، تخوض تجربة الاعتقال السياسي عبر مراحل ثلاثة، بدءً بوالدها الذي يعتقله نظام جمال عبد الناصر، مرورًا باعتقالها هي، وانتهاءً باعتقال اخيها غير الشقيق الذي يمثّل في ذهنها ابنها الذي لم يأتِ أبدًا؛ ذلك أنها كما يظهر في ثنايا الرواية، لم تجد وقتًا لتتزوج، أو لتحوِّر تجاربها المعقدة مع الآخر المذكر إلى كلاسيكية وثوب زفاف.
الجغرافيا في الرواية مقسمة ما بين القاهرة، الصعيد المصري، وباريس التي تعود إليها أم ندى مطلقةً بعد أن “اعماها” الفهم السياسي لبكاء أبو ندى على سجّانه وهو يقرأ خطاب اعتزاله بعد هزيمة 67، باريس التي تفهم ندى متأخرةً أنها ذهبت إليها سائحةً، لا شابة تزور بمنطقيّة أمَّها كل ما سمحت لها الظروف. لن يصبح غلاف الرواية ولا اسمها مقبولاً، إلا بعد أن تنتهي من زيارة لبنان التي تشكّل نقطة مهمة في رغبة ندى في دراسة أدب السجون، وتحديدًا معتقل الخيام في الجنوب اللبناني، وتبدأ بالفصل الأخير الذي يحكي قصة فرج. من هو فرج ؟، قراءة الرواية هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة ذلك.
* قالولي بتحب مصر – تميم البرغوثي.
** كلمة يونانية مركبة تعني “مراقبة” و “الكل”، ويتجاوز مفهومها الفلسفي ذلك ليتطرق إلى واقع السجن الذي لا قضبان له، والذي نعيش فيه جميعًا.
سرحات فلسطينية
جويلية 27, 2010لا جائزة أورويل، ولا الاشادات العريضة بالكتاب والتي جاءت في صفحته الأولى، على لسان جرائد مثل النيويورك تايمز والصنداي وناقدين كبار أمثال جون سيتون، ولا حتى الغلاف الأنيق الذي لا تكلّف فيه هو الذي دفعني لشراء هذا الكتاب. ابتعته على عجل فور وصولي إلى مصر، السبب الحقيقي كان شعور الغربة الذي صفعني في “وطني العربي”، فما كان منّي إلا أن أتجاهل أبسط قواعد شراء الكتب، متمثلة في البحث عن نصيحة من البائع، أو حتى قراءة التعريف بالكاتب، فأبتاعه بعينين في قلبي لا تريان غير فلسطين وما يتعلق بها. ولا أخفي عليكم ولا على نفسي، أن حكمي على الكتاب، ودرئي لاحساس اني انفقت 25 جنيهًا هباءً، جاء متأخرًا جدًا، إذ لم تدفعني كل تلك الوصوف المزخرفة لتلال رام الله، والأغوار، والقدس، ولا حتى أثارت اهتمامي العميق قضية أرض ألبينا التي تحتل جزءً كبيرًا من الكتاب وحياة كاتبه كمحامي مخضرم في مجال الدفاع عن شرعية الوجود الفلسطيني في ارض فلسطين، بدأت أنفاسي تتزايد، وسجائري تتزايد، بعد ثلثي الكتاب تقريبًا، عندما بدأ وجه رجا شحادة يطل من خلف النثر المغلق، لتبدأ شاعرية ما بالترسّب بين أصابعي، شاعرية انسان عاش مكافحًا، محاميًا، لكنه وفي ثلث الكتاب الاخير برأيي يثبت أنّه عاش قبل كلّ تلك الوصوف، انسانًا .
الكتاب يتحدث عن الجغرافيا، الديموغرافيا، التاريخ، الجيولوجيا، ويرسم صورة لجزء كبير من أرض فلسطين التي صارت فيما بعد حدود 67، لم يبخل الاستاذ رجا بالبحث عميقًا في ذاكرته، وذاكرة المؤرخين من قبله، ليملئ الصفحات بمعلومات قيمة، ولكني كعادتي، أكره الأكاديمية إلى حد ما، ويغريني التعاطي السياسي، لذا فالكتاب يتحدث أيضًا عن السياسة، ويضيء جزءً كبيرًا من آثار اتفاقية اوسلو الموقعة بين منظمة التحرير و”إسرائيل”، ذلك الجزء كان مظلمًا ظلامًا شنيعًا في عقلي، ولكم أن تتخيلوا رقصة الباليه التي رسمها حاجباي فور ادراكي لما ارد كاتبنا أن يقوله : ” إن النضال الوحيد الذي أرادت المنظمة أن يُعترف به هو كفاحها المسلّح في الخارج”، وعلى ضوء ذلك يبني الاستاذ رجا ادعاءاته بأن الوضع الفلسطيني كان افضل قبل دخول المنظمة، وأنها منحت أشياء ما كانت اسرائيل تحلم بالحصول عليها، مثل السيطرة على الطرق في الضفة الغربية، واعتبار ثلث الضفة “C” منطقة بعيدة عن المنال الفلسطيني، ورفض مكتب تونس الخطة القانونية التي اعدّت داخليًا لحصد نجاحات الصولات والجولات في المحاكم الاسرائيلية، ولبقاء ما هو قيد التداول، قيد التداول، وهي أمور يقول هو أنها كانت لا تزال تشكل بندًا رئيسيا في جدول النضال القانوني الذي كان هو وأمثاله يقودونه في الارض المحتلّة، حتى جاءت أوسلو فوضعت نقطة في نهاية كل الجمل القانونية والسياسية، ورسمت طريقًا “للفوضى” التي يصف بها رجا شحادة تلك الاتفاقية بعد دراسته المستفيضة لها.
على كل الأحوال، الاتفاقية باتت جزءً من المجمل السياسي الفلسطيني المعاصر، وشطبت مؤخرًا من كتب التاريخ في “اسرائيل”، ويا فرحة ما تمّت، ويا خيبة تمّت في “معاليه ادوميم، وآدم، وبيت ايل، وكريات اربع، وكفار ادوميم، وايمانويل، وبراخا*”، والسطر لا نقطة له يا رجا، لا نقطة له يا صديق الوحدة، والخيبة
* مستوطنات اسرائيلية في الضفة الغربية، الآن المطالب هو وقف الاستيطان، لا في الضفة ككل، بل في القدس الشرقية، الجزء الذي يخضع لخطة مفصلة وُجدت – كما يذكر الكتاب – على مكتب جولدا مائير قبل عقود من الزمن، عقود هي الآن عمر “الواقعية السياسية” التي يتبعها الفريق الذي يحكم السلطة الفلسطينية، ويحلم بدولة ما يقول انها فلسطينية، أما ازالة تلك المستوطنات، اما عودة اللاجئين، واما غياب الرغبة في القفز من الشرفة التي أقرأ فيها “سرحات فلسطينية”، فالله أعلم متى، والله أعلم كيف، لذا لا تسألوني متى، ولا تسألوني كيف.