Archive for the ‘بيان رقم 1’ Category

غزّة للربيع العربي: شكرًا.

أوت 9, 2011

دعوني أقولها لكم بصراحة، لا أحد فينا، نحن الفلسطينيون البسطاء الذين لا نجيد التبرّج الثقافي ولا نبيع كلامًا ولا نحجز تذاكرًا لحضور فيلم “ليلة القبض على القصيدة” في غزّة، لا أحد فينا كان يصدّق فعليًّا، وبكل وجدانه، عبارةَ “شعبنا العربي الأبي” التي كانت تصدح بها شاحنات volkswagen  وهي تجوب شوارع القطاع تدعو لمسيرة أو تذيع بيانًا أو تهنّئ الغزّيين و”عموم الشعب العربي البطل”، عن طريق سمّاعات ضخمة محملة على متنها، بشهر رمضان أو أحد العيدين اللذين يعقبانه.

“شعبنا العربي” .. الكوبليه الموجود في كلّ الأغاني، لا أحد فينا يفكر فيه، لا أحد يتمعن في مضامينه الموسيقيّة، لكنه دائمًا هناك، ورقة تحت الطاولة تساعدها على الاتزان، صندوق مغلق نتوارثه ولا نعرف ما الذي في داخله، وإلى فترة قريبة، لم نكن نرغب في أن نعرف، فالبعض مشغول – في سرّه – بشتم حكومة غزة، والبعض بشتم حكومة رام الله، والكل يجتمع على شتم شركة الكهرباء، والبحث عن لقمة العيش، أمّا العرب، في الوعي الرّاهن المشترك لسكّان القطاع، وخصوصًا للشريحة الشابة التي ولدت قبيل اوسلو وترعرعت أثناء انتفاضة الأقصى، فهم رقم يضاف ويطرح ولا أثر له في معادلة الحياة اليوميّة. حتّى أثناء العدوان على غزّة، لم يتطوّر المرجوّ من الجماهير العربيّة إلا إلى مستوى الإسراف العاطفي متمثلاً في مسيرات التضامن وقوافل فكّ الحصار، لا الخطوات الملموسة على أرض الواقع والتي تقود إلى حراك سياسي رسمي على مستوى أنظمة تخضع لصوت مواطنيها، أو تنهار وتستبدل تحت ضغطهم الثوري، فمثلاً .. لو قال غزّي بسيط لغزيٍّ بسيط آخر  أن المصريين سيثورون على مبارك لسبّ له الدين ورد عليه بنبرة واثقة: ابقى قابلني.

ملك الغابة راكب دبابة - في غزة

ملك الغابة راكب دبابة - في غزة

ملك الغابة راكب دبابة، والمرسومة مؤخرًا في غزة على يد شباب فلسطيني من الشريحة آنفة الذكر، تُلخّص “التحوّل الثاني” الذي تعرض له الوعي الجمعي لدى الفلسطينيين بعد الربيع العربي. التحوّل الأول كان مرتبطًا بصدمة رؤية شباب آخر، غير فلسطيني، يحمل الحجارة ويهتف للشهداء، فبعد أن تعوّد الفلسطيني على المسرح مطوّبًا باسم أقدامه، ومطليًا بفصائل دمه الضيّقة، لم يجد غير الكرسيّ قبالة التلفاز مكانًا له، كغيره من متابعي الربيع العربي. حاول كهنة النضال تقزيم ذلك التحوّل الأول والتقليل من أثره بالقول بأن الجماهير العربية تقلد الفلسطينيين وأننا أصحاب الحق الحصري بتأليف الشعارات وحرق الاطارات، لكنّ الصدمة مرّت وآتت أُكُلها، وتمّ التحول تمامًا كاملاً؛ إذ بات من البديهي اليوم أن نقول بأننا، كفلسطينيين، عاديّون، و” أَننا لسنا ملائكةً، و أَنَّ الشرَّ ليس من اختصاص الآخرين*”.

(more…)

15 آذار، مرَّة أخرى.

مارس 14, 2011

قبل ثلاثة عقود من الآن، وفي مثل هذه الساعات من صباح الخامس عشر من آذار، كان وفدٌ من منظمة التحرير الفلسطينيّة يدق باب بيت سعيد المغربي في حيّ الطريق الجديدة في بيروت، حاملاً معه وصيَّة مكتوبةً باللون الأحمر، ووعودًا لا تُنكث، إن أخلف بها البعض، تلقفها البعض الآخر عازمًا على تحقيقها كاملةً كاستدارة بدر في منتصف سماء العاشقين. فُتح الباب وفُتح القلب، وقرأ سعيد المغربي وصيّة ابنته الشهيدة دلال، مسح ما تستطيع كفّه الوصول إليه من دموع، وترك الباقي منها يسقط بصمت في عيونٍ داخليّة. “لا تذرف دمعًا كثيرًا؛ فلقد صرت بنتًا للبلاد” بهذا ختمت دلال وصيّتها لأبيها، وكتبت في الباقي من الرسالة، بعبقرية فتاة من يافا، مولودة في صبرا، ما لا يمكن لنا أن نخونه، أو نلتفّ حوله؛ ذلك أنّ وصيّة الشهيد هي طلقته الأخيرة التي يسحبها من مخزن بندقيته، ليتركها لمن بعده، ومن يخون رصاصةً، ويطلقها في غير وجهتها، إنما يقتل نفسه، ويمثّل بجثث تدفن بدمها نقيّة .. لا تُغسّل.

أمّا الخامس عشر من يناير، والخامس والعشرون من نفس الشّهر، والسابع عشر من فبراير، فكلُّها تواريخ حديثة على الذاكرة الفلسطينيّة. لم يحدث أن جلسنا، نحن الفلسطينيّون، بجسدنا الثقيل المليء بالرضوض و الرصاص المستورد من أمريكا، على إختلاف مستورديه، بأحلامنا وقضيّتنا المليئة بالورد والأشواك، من يعيش منّا وراء الخطّ الأخضر، ومن يعيش أمامه، ومن يعيش في الشتات، وفي المنفى، وفي السجون، لم يحدث أن جلسنا جميعًا واتحدنا في شيء آخر غير الموت جماعاتٍ أمام الصّاروخ، اتحدنا أمام التلفاز!. نعم .. هذا على الشّاشة خطٌ أحمرُ عريض، وهذي مسيرة، لكنّ الذي يموت ليولد بشكل آخر، وعلى غير العادة، لا يتحدث لهجتنا، إنّه يتحدث نفس اللغة، لكنّ اللهجة مختلفة، هذا تونسي! هذا مصري! هذا ليبي!، أين الفلسطيني؟، إنّه يجلس على أريكته، محاطًا بزجاجات تقتبس الثمالة والأوجاعَ والنسيان والذاكرة، محاطًا بالسجائر المطفأة وأهازيج ظريف الطول، في غرفة علّق طمعًا في حبّ الله على جدرانها آياتٍ من القرآن وترتيلةً للقدّيس شربل وصورةً لأمّ المخلّص؛ جلس الفلسطينيّ ليتابع للمرّة الأولى قصفًا بالطائرات لا يعقبه قصيدة تقول جرّبناك، ولا إتصال من مراسل أو فتحٌ لمعبر رفح ولا – ويا أسف الآسفين في أقاويلٍ أخيرة – إشعالاً للشّموع في مكان ما مدوّر !

(more…)

ما قبل التحرير وما بعده

فيفري 6, 2011

(more…)

يمّه

فيفري 2, 2011

 

.

أكتب ؟

ليس ثمة كلمة واحدة، ليس ثمّة حرف ولا ضمّة ولا فتحة، بلد أمير الشّعراء ملّت قصائدنا، ملّت تسلّقنا، وملّت نثرنا البائس.

مصر هي التي تتحدث، أنا عندي خُلُص الكلام.

..

 

جنوبيّ الجنوب .

أوت 10, 2009

2
قرية خزاعة – شرق خانيونس .

في فم التنين، في فمه تمامًا يسكنون، يتناوبون في حمل السيف وإبقائه مصوّبًا إلى حلقه، لا هم رحلوا، ولم يمت بعد التنين، غير أنّه يحيا حياة ميّتة، تنين ذليل، عار على هذه الأسطورة التي اخترعها الصينيون، أمّا هم فيحملون السيف، ويزرعون الورد، ويتزوجون، ويعيشون الحياة رغمًا عن أنف وفم التنين .

هناك .. في جنوبيّ الجنوب، تتسابق البيوت إلى الله، وتتزاحم الأرواح على باب الفردوس، فهذا يبعد بيته مائة متر، وأما ذاك فستون، وصاحب البيت المدمّر الذي يبعد عن الرشّاش الآلي عشرين مترًا، ولا زال يسكن بيته ويتوضّأ للصلاة، يبقى إلى هذه اللحظة، صاحب الرقم القياسي في غينيس الآخرة، والحاجز الوحيد على متن الدرجة الأولى، في خطوط طيران الجنة، ليس مجنونًا، هو أعقل العقلاء، لا باب في بيته ولا شبّاك، لا بيت في البيت أصلاً، كلُّ ما يملكه حجارة هرمة، وصبّارٌ عتيق، ودرّاجة نارية، ومعجزة .

بيني وبين أهلي وناسي رمية حجر ” لطالما أصابتني القشعريرة والحنين حين يصدح سميح بتلك العبارة، تلك الرخاميّة في صوته حين يقولها، يجب عليك فعليّا أن تقف وبينك وبين أهلك وناسك وأرضك ووطنك وحلمك رمية حجر؛ حتّى تعرف مصدرها، وحتّى تصبح المسألة برمّها بعيدة عن فنٍّ ملتزم، أو حناجر حمراء، أو بكاء على الأطلال، إنما هو الواقع، لسنا نكره الدنيا، لسنا ندمن الموت، لسنا نهوى الظلام، لكن بيننا وبين ذلك كلّه، رمية حجر .. وغفوة أمّة.

عندما تصل إلى المفترق الأخير، تتجلى أمامك الصورة، إمّا أن تعود أدراجك فتسلم، أو تمضي يسارًا تسير بمحاذاة الحدود مع احتماليّة الشهادة، أما يمينًا فتستشهد قطعًا، وكذلك تفعل إن أنت تابعت إلى الأمام. الفلسطينيُّ السليم يُعرف من خياراته، كلُّ أربعة شوارع، أو أربعة أحلام أمامه، ثلاثة منها تؤدي إلى الله، وواحد فقط يؤدي إلى الدنيا، وعندما اخترنا أن نحاذي الحدود، لم نكن أبطالاً، لم نكن شجعانًا، لم نكن حمقى، كنّا ببساطة فلسطينيين، نتخذ القرار الذي يعجز معظم العرب الأشاوس على اتخاذه، نطبّق أوّل قاعدة نتعلمها في صغرنا، أن تسير بمحاذاة الموت حينًا، وتمضي إليه أحيانًا، ذاك هو الشيء الوحيد الذي يتكفّل بتطهيرك، حتى تعرف المذاق الحقيقي للحياة، والطريق إلى الله .