هاروكي موراكامي – اكتب كأنّك تعزف.

مارس 9, 2013

محمود عمر

في عام 1964 كان عازف الطبل الأميركي آرت بلاكي يحيي حفلة موسيقية مع فرقته “رُسل الجاز” في مدينة كوبه عاصمة محافظة هيوغو في اليابان. فتى في الخامسة عشرة من عمره كان يجلس بين الحضور مأخوذا بموسيقى الجاز التي يسمعها للمرّة الأولى في حياته، ذلك الفتى يدعي هاروكي موراكامي. الفتى الياباني الذي كبر ليصبح واحدا من ألمع الروائيين في العالم كان قد تلقى تذكرة الحفلة كهدية في عيد ميلاده, لم يدرك موراكامي في حينها أن تلك التذكرة ستغير حياته وحياة الكثيرين من قرائه إلى الأبد.

HMكانت الموسيقى صاحبة البطولة الأولى في حياة موراكامي، فرغم اعجابه بكافكا وديستوفيسكي وبلزاك وقراءاته المتنوعة في سنين شبابه المبكرة، لم يشعر بأنه يملك الموهبة اللازمة للكتابة الروائية؛ سيما وأن لوثة المقارنة مع الكبار كانت لا تزال تسيطر عليه. تخرج من الجامعة وبحث عن الاحتراف في مجال آخر فافتتح بعد جهد مضن في جمع المال، حانةً صغيرة للجاز في طوكيو. كانت الحانة مسرحًا لعازفين هواة وإذاعة صغيرة لبثّ تسجيلات الجاز التي لم ينقطع صداها طوال سبع سنين هي عمر المكان الذي عشقه موراكامي لأنّه مكنه من سماع الموسيقى طوال الوقت.

ليس ممكنًا إذًا في معرض الحديث عن موركامي الفصل بينه وبين الموسيقى، والكتابة. كوّن الثلاثة معًا ثلاثيّة واحدة، تمامًا كثلاثيّة هيغل الفلسفيّة، وثلاثيّة الأرشيدوق الموسيقيّة، والثلاثيّة الأوديبيّة – ثلاثيّات نجدها في رائعته “كافكا على الشاطئ”. لم يدخر موراكامي جهدًا في التأكيد على ذلك, يقول في محاضرة ألقاها عام 2005: “الموسيقى! إنّها تعني لي الكثير, لقد تعلمت كل الأشياء عن الكتابة من خلالها”. لم يكن ذلك غزلاً مجوّفًا بل توصيفًا دقيقًا لما حدث، فعندما قرر موركامي كتابة روايته الأولى لم يكن يعرف شيئًا عن تقنيات السرد الروائي. الحل الذي توصّل إليه كان موسيقيًا صرفًا: اكتب كأنّك تعزف.

توالى بعد ذلك نتاجه الأدبي، وكانت الموسيقى حاضرةً لا في تفاصيل الأعمال الروائيّة فحسب، بل حتّى وفي العناوين. “كافكا على الشاطئ” هو عنوان لأغنية تؤلفها وتلحنها على البيانو الآنسة ساييكي لحبيبها البعيد. “غرب الحدود شرق الشمس” مقتبسة في جزء منها من عنوان اغنية لنات كينج كول. “الغابة النرويجيّة” عنوان أغنية للبيتلز، “أرقص أرقص أرقص” عنوان أغنية للبيتش بويز.

داخل العوالم التي يخلقها موركامي في أعماله يمكن للقارئ أن يحظى بحصّة تعليميّة قيّمة عن الموسيقى، ولكن بعيدًا عن الخشبيّة. يمارس موراكامي نزعته التعليمية تلك عبر جعل شخصيّات رواياته، الرئيسي منها والهامشي، شغوفة بالموسيقى. “هاجيمي” الشخصيّة الرئيسيّة في “جنوب الحدود غرب الشمس” يترك عمله كمحرر في دار نشر ليفتتح -على طريقة موراكامي نفسه- حانة صغيرة لموسيقى الجاز في أوياما. في الحوار الذي يدور بين هوشينو، الشاب الياباني المتأثر بالثقافة الأمريكيّة والذي يربط شعره على هيئة ذيل الحصان ولا يولي الموسيقى -بكل أنواعها- أيّ اهتمام جدّي، وبين صاحب مقهى في رواية “كافكا على الشاطئ”, يسأل صاحب المقهى هوشينو “ألا تزعجك الموسيقى؟” فيرد هوشينو “لا، إنها رائعة. من الذي يعزف؟”. يجيب صاحب المقهى: “ثلاثي روبينشتاين وهيفيتز وفيورمان، ثلاثي المليون دولار، عرفوا بهذا الاسم. الفنانون الكاملون، هذا تسجيل لهم من عام 1941.”

ينقطع الحوار ثم يعود ليتصل:

– ذكرني ما اسم هذه الموسيقى؟
– ثلاثية الأرشيدوق لبيتهوفن.
-مارشي دوق؟
– أرشي. أرشيدوق. أهداها بيتهوفن للأرشيدوق رودولف النمساوي. هذا ليس اسمها الرسمي، إنه بالأحرى الاسم الشائع. كان رودولف ابن الامبراطور ليوبولد الثاني. وكان موسيقيًا ماهرًا جدًا، درس البيانو ونظرية الموسيقى على يد بيتهوفن وبدأ عندما كان في السادسة عشرة. واتخذ بيتهوفن مثالاً أعلى. ولم يكوّن شهرة لنفسه سواء كعازف بيانو أم كمؤلف موسيقي، لكنه كان يقف في الكواليس يمد يد المساعدة لبيتهوفن الذي لم يعرف كثيرًا كيف يشق طريقه في العالم.

في حوار آخر بين أوشيما، وكافكا, يسأل كافكا: لماذا تستهويك سوناتات شوبرت؟

-سوناتات شوبرت، وخصوصا هذه، اذا عزفها العازف بطريقة حرفية، فهذا ليس فنًا. وذلك لانها طويلة جدًا ورعوية جدًا، ومن الناحية التقنية بسيطة جدًا، فاذا سمعتها كما هي خلال القيادة، ستشعر أن الطريق سطحيّة وبلا طعم، كقطعة أثرية بالية، ولهذا فكلما حاول أحدهم عزفها أضاف لها شيئًا من ذاته، مثل هذا العازف- اسمع كيف يعزفها مضيفًا “الروباتو” ومعدلاً الايقاع متنقلاً بين درجاتها وما إلى ذلك. وإلا لما خرجت المقطوعة بصورة متماسكة. يضيف: ولهذا أحب سماع شوبرت خلال القيادة، كما قلت لك، لأن كل أداء لها قاصر، نقيصة فنية قاتمة تستفز وعيد، وتبقيك متنبهًا.

في نفس السياق, يقول فرانك جالاتي، محرر الطبعة الانجليزيّة من مجموعة قصص موراكامي القصيرة “ما بعد الزلزال” في إحدى مقابلاته: عدد كبير من شخصيّات موراكامي تجيد العزف على البيانو، أو شغوفة بالموسيقى, أو ملمّة جيدًا بتاريخها. يمكن اعتبار الشخصيات مراجعًا في الموسيقية الكلاسيكيّة, أو حتى في موسيقى البوب والجاز والبلوز.

موراكامي الذي كتب روايته الأولى في عامه التاسع والعشرين لم يتأثر بالموسيقى فحسب، بل وأثّر فيها. أحد أهم الامثلة على الأعمال الموسيقيّة التي انبثقت من عالم الروائي عاشق القطط والـ “ووكمان” ألبوم “The Wind-up Bird Chronicle” (عنوان كتاب لموراكامي) الذي أصدره الموسيقي الإيطالي ماسيمو فيورينتينو صاحب مشروع Aeroplain. أُرفق الألبوم في كتاب عن الروائي تحت عنوان “A Wild Haruki Chase.”

يقول موراكامي: سواء كان الأمر في الموسيقى، أم في الأدب، أهم شيء هو الايقاع. إنّ الأسلوب يجب أن يحظى دومًا بإيقاع ثابت وطبيعي، وإلا فلن يقرأك النّاس. هكذا علّمتني الموسيقى.

بالخلاص يا شباب، بالخلاص يا سوريا!

نوفمبر 11, 2012

محمود عمر.

إذا كان عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر قد تحدث، في معرض التناول التشريحي للعلمنة، باعتبارها نشاطًا اجتماعيًا معرفيًا، عن “نزع السّحر عن العالم”، فإنّ ياسين الحاج صالح، الكاتب والناشط السّوري، يتحدث في كتابه “بالخلاص يا شباب!” بالدرجة الأولى عن “نزع السّحر عن السجن” وما يتصل به من أساطير وخيالات تحيل على مفاهيم كالبطولة والثبات حيث “لا مجال للتراجع والاستسلام”، و “ليس بعد الليل الا فجر مجد يتسامى” وبدأ تناول السّجن باعتباره موضوع ثقافي، أي “أنسنته” وفق التعبير المحبب لقلب نصر حامد أبو زيد. على الصّعيد الشخصي، لا يخفي الحاج صالح رغبته في تقيؤ التجربة (والوصف لألبير كامو) عبر “التخلّص” من هذا الكتاب بنشره بعد تجميع مواده منذ العام 2003 وصولاً إلى عام 2011، العام الذي يمكن استعاره عنوان كتاب سلافوي جيجيك الجديد لوصفه بـ”عام الأحلام الخطرة”.

يسرد الحاج صالح في مستهلّ الكتاب حقائقًا تشكّل مقياس الرسم الذي يرشد القارئ عبر تلك الدفقات الضوئيّة التي تنير جنبات السجون السوريّة، والمسجون السوري. اعتقل فجر 7/12/1980، كان في العشرين من عمره، طالبًا في السنة الثالثة في جامعة حلب، وعضوًا في الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي، عذّب ليوم واحد في “الفرع” على “الدولاب” و “بساط الريح”، وهي أسماء متداولة لتقنيّات تعذيب بعثيّة، وأحيل إلى سجن المسلمية في حلب قبل أن يتنقّل بين سجن عدرا والسّجن المطلق؛ سجن تدمر. أفرج عنه يوم السّبت 19/121996. بالمحصّلة: 16 عامًا و14 يومًا انتزعت منه، بُترت ولا مجال لاستردادها، وما ذلك إلا عيّنة ضاربة في الدقّة من مجمل ما سُرق من السوريين، بأيادٍ سوريّة.

يلتبس السجن، وتموّه الحريّة، في سوريّا التي يخنقها البعث. لا يتاح للسجين السياسي، بعد الإفراج عنه، فسحة تمكّنه من هضم التجربة، والتصالح مع الذّات. يخرج إلى مجتمع الخطاب الرسمي السّائد فيه يتحدث عن الرغبة في التقدّم، والاستمرار، والتجاوز، حيث لا وقت للتوقّف عند إشكالات صغيرة، كآلاف السجناء السياسيين، والبلد بنظامها وشعبها “مستهدفة”. يشعر “المفرج عنه” بأنّه ممنوع من التذكّر، لكنه أيضًا -في حبكة فاشيّة- ممنوع من النّسيان. عليك أن تظل تتذكّر أنك تحت المراقبة، في دائرة الضّوء، لكن عليك أن تنسى عذاباتك، وتفقد القدرة على طلب المساءلة التي إن حدث وطلبتها فأنت تعبث بنسيج المجتمع، ويفيض من قفصك الصدري حقدٌ لن يفيد الوطن، ولا المواطنين، مع أنّ السجن، بما يفرضه من قرب إجباري، وإستثارة لحساسيّات مجهريّة في الكائن البشري نتيجة وجوده الدّائم في مرمى عين “الآخر”، كان قد أصبح نمط حياة لكثيرين في سوريا.

يناقش الحاج صالح الجدليّات التي تربط السّجن، والضّيق، بالذاكرة، الوقت، الخصوصيّة، المرأة (التي عرّف مصطفى خليفة السّجن بأسره على أنّه غيابها)، الحنين والتّسمية. تنتهي ردّة الفعل الأوليّة بالصّمود المجوّف، ويصير لزامًا على السّجين أن يعترفه بنفسه سجينًا، أن يفتح صفحاته و”يسمح للسّجن بتأليفه”. عقارب السّاعة هي الأخرى تحتاج توليفة من نوع ما كي تصير مأمونة الجانب.  يقتل البعض الوقت، ويكسبه الوقت الآخر، ويكون للكتب، التي سيسمح بإدخالها بعد فترة، أثر ضخم في تدعيم الوجود الانساني للسجناء عمومًا، اليساريين منهم خصوصًا. قرأ ياسين الحاج صالح أثناء وجوده في السّجن كتاب محمد عبد الجابري عن فلسفة العلوم، والاستشراق لادوارد سعيد، النزعات الماديّة في الفلسفة العربيّة الاسلاميّة لحسين مروة، ومجموعة من كتب هيغل وبعض كتب عبدالله العروي. الكتب، مضافة إلى التمطّي الفكري الذي يفرضه “نمط الحياة/السّجن”، دفع بياسين الحاج صالح، كما سبق ودفع بغيره كثيرين، إلى “التحرر” من كثير من القناعات التي دخلوا بها العنابر والزنازين.

قراءة الكتاب، بعيدًا عن ربطه بالبلد، وبالكاتب، وبحقيقة نشره بعيد إندلاع الثورة السورية، والنظر إليه من زاوية أوسع، يفتح الباب لعدّة استنتاجات وتأملات، وخصوصًا في عمليتي البناء والهدم اللتان تلخصان مسيرة الانسان الفكريّة. ربما يجوز القول بأن السجن يكثّف عمليات الأيض الفكريّة -إن جاز التعبير- ويضمن، إلا في حالات نادرة، أن من يدخل إلى السجن، لن يخرج منه بنفس العقليّة. إنّه -أي السجن- حالة “نقد ذاتي” إجباريّة، وطويلة، وجذريّة، وهو ليس موئلاً للمثقفين، بقدر ما هو صانع قاسٍ لهم. يقول ياسين الحاج صالح في معرض حديثه عن هذه النقطة تحديدًا: إنّ التحرر الحقيقي من السجن هو أن يتسنّى لنا أن تجعل منه مجالاً للتحرر من سجون أخرى أشدّ فتكًا، من عبوديّات وقيود ومطلقات أسوأ من السّجن ألف مرة. ويضيف في موضع آخر من الكتاب: صرت على نفور عميق من كلّ مذهبيّة مغلقة ومن كل منزع يقينيّ ودوغمائي، ومن انتهازيّة أصحاب العقائد ولا أخلاقيتهم العميقة. الحديث السّابق يبدو اليوم، وكلّ اليوم، ملحًّا لنا كعرب ننتمي إلى “شرق المتوسّط”، أحد أكثر المناطق إبداعًا في قتل الإبداع، واحتراف الإقصاء، والمساومة بين التفاصيل الصغيرة، وبين الشّعار.

آن أوان الخوض في اللايقيني، كما يقول كارل بوبر. آن لمجتمعاتنا العربيّة أن تُفتح، وأن تبحث في أمر مآسيها، وضحاياها. أن تغفر، وتحاسب. أن نجلس جميعًا على طاولة مستديرة لنصل إلى ما يجب فعله إزاء ما سبق، وإزاء القادم. سوريّا اليوم، بشعبها الثّائر، أقرب إلى ذلك التحدّي من أي شعب عربيّ آخر. إذا كانت الحريّة تعني لياسين الحاج صالح المرأة والحب، فمعناها بالنسبة لسوريّا-المجتمع، سوريّا الأفراد، هو ما تتم الاجابة عنه اليوم. ينقل السّجين القابع في سجن تدمر، السجن المطلق، إلى سجن عدرا، أو صيدنايا، أو المسلميّة، حيث يختبر مجددًا التخالط مع أقرانه استعدادًا للخروج إلى المجال العام. سوريّا البلد، سوريّا الشّعب، خرجت بلاشكّ من تدمرها، أمّا وجهتها القادمة فتحدٍّ قائم، وجرح رطب، وثورة مستمرّة.

غزّة باعتبارها مدينة بائسة، والغزّيون باعتبارهم أصحابي.

أكتوبر 13, 2012

في موسوعته «معجم البلدان»، يقول ياقوت الحموي عن معنى الاسم: «غزّ فلان بفن واغتزّ به إذا اختصّه من بين أصحابه.» ورجّح آخرون منهم مصطفى الدبّاغ أنها بمعنى: قوى ومخازن وكنوز و«ما يُدّخر». المدينة التي سمّاها المصريّون «غازاتو» وشعر الآشوريون بشيء ما حميمي تجاها فنادوها «عزاتي» مدينة شرسة منذ القدم. في العام 332 قبل الميلاد هاجمها الاسكندر المقدوني فاستعصت عليه، وآثر قائدها “باش” القتال على تسليم المدينة. اشتدّ الحصار وقاوم الغزيّون ببسالة حتى وصل بهم الأمر أن جرحوا الاسكندر المقدونيّ باحدى حرباتهم فجنّ جنونه وانسحب مضمرًا عزمه على اقتحام المدينة في جولة ثانية راح يستعدّ وجيشه لها أيّما استعداد. بعد عودته هاجمها أربع مرّات حتى دخل، وأعمل فيها السيف وذبح فيها خلقًا كثيرًا، لكنّه أمر باعادة اعمارها وجعل بعض اليونانيين يقيمون فيها، هكذا إلى أن مات واقتتل عليها الورثة من بعده، وكانت الغلبة للجانب المصريّ الذي يقوده “بطليموس” حتى اذا ما كبر “انتيغونوس” واشتدّ عوده حتى عاد فأخرج بطليموس منها وآلت سيادتها وكل مدن الساحل له ولمن معه. هذه اللمحة من تاريخ المدينة تتكرر بايقاع ثابت، فقبل اليونانيين كانت سيوف الفراعنة والهيكسوس والآشوريين والبابليين والفرس، وبعدهم الرومان والعرب المسلمون والصليبيون والمماليك والعثمانيون والانجليز الذين رحلوا وما رحلوا. يمكن أن نقول، بكلمات مختصرة ومعبّرة : تاريخ غزّة معركة دائمة يتخللها بعض الهدوء.

اليوم، في عصر السوق التجاري والفيزون والآيفون وعشرات آلاف القتلى الذين يتكدّسون في شريط أخبار لا يزيد عرضه عن بضعة سنتميترات مضيئة في أسفل الشاشة، في العصر الذي قال هنري ميللر عن وسائل الترفيه فيه أنها «ليست سوى عكازات أصابتنا بالشلل»، ماذا يمكن للمرء أن يقول عن تلك “اللطخة” الجغرافيّة الجالسة بحشمة على شاطئ المتوسّط؟ هل أفتح صفحة جديدة في نفس الكتاب القديم الجديد، أم أمزّق كل شيء وأقول ما أريد أن أقوله، انطلاقًا من هذه اللحظة؟. الأكيد أن غزّة كقطعة علكة مضغتها إمرأة في منتصف الثلاثينات حتى العصر قبل أن تبصقها في شارع مزدحم فداستها باصات النقل العام غير مرّة قبل أن يأتي عامل نظافة بزيّ كئيب في آخر الليل ويكنس الأرض من حولها، وتظلّ هي ملتصقة بمصيرها البائس. الأكيد أنّ غزة، كموضوع للحديث، صارت شيئًا مبتذلاً. هذا بند إضافيّ من القائمة الطويلة التي عنوانها: أشياء لابدّ من الاعتراف بها.

أتذكر مرّة أن وسمًا انتشر على موقع “تويتر”. كان موضوعه متعلّقًا بالذكريات. راح شباب غزّة يسردون، في 140 حرف أو أقل، مشاهد انطبعت في ذاكرتهم عن الحياة في المدينة التي أحبّها الشافعي. كنت أقرأ ما يكتبون وأرتعب. لم يكن ثمّة تغريدة واحدة تبعث على المفاجأة، كلّ شيء مشترك. أصناف الطعام، البرامج التلفزيونيّة، صوت المطر على سقف الاسبست، حفلات فنانيين عرب وإعلاناتها في ميدان السّاحة، كر وفر الأمن الوقائي وشباب حماس، شجرة عيد الميلاد في متنزّه الجندي المجهول، كلّ تفصيل دقيق يشاركك فيه عدد ضخم من النّاس. نحن عائلة واحدة، لا بالمعنى الوطني ولا الجغرافي، بل بالمعنى المباشر للكلمة: نحن عائلة واحدة توزّعت على بيوت كثيرة، سواء أعجبنا ذلك أم أصابنا برغبة في الهرب.

في الأشهر القليلة الفائتة، غادر كثيرون غزّة. ربما تكون صدفة أنني أعرف الكثير منهم، أنّهم من نفس فئتي العمريّة وأن وجهتهم في الأغلب بلد لا يتحدث العربيّة، بعضهم خرج للتعليم، بعضهم تزوّج وسيستقر في الخارج، بعضهم خرج للعمل، والبعض خرج من أجل الخروج. في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين”، يقول ايلان بابه أن عدد المُهجّرين من فلسطين يربو على 700 ألف فلسطيني. السّوريون أيضًا صاروا لاجئين، غادر الآلاف منهم وتوزّعوا بين الأردن وتركيا ولبنان ومصر وبلدان مختلفة، العراقيّون نالوا نصيبهم أيضًا. المثير للسخرية أنّ أخبار الانتقال الجماعي ما عادت تحرّك شيئًا بعينه في داخلي. ربّما أتجرّأ وأقول أنّ رحيل فرد بعينه، بكلّ خصوصيّته، بكل غبائه وجماله، تدقّ أجراسًا في قصبتي الهوائيّة أكثر ما تفعل أخبار انتقال الآلاف قسرًا من أماكن تواجدهم. في زمن النزوج الجماعيّ والنكبات، لم نتعود على الرّاحلين طوعًا وفرادى. لم نتعوّد على دقّة الوجع المصاحب لذلك الرحيل، حزنٌ يمكن لي أن أشبهه بالألياف الضوئيّة، خفّة في الوزن وامتياز في الأداء.

لا أحكام عندي. لا قواطع ولا تأكيدات. لا ألوم من يقرر الرحيل إلى الأبد. لا ألوم من يقرر الغياب إلى أمد. لا ألوم من يشتم المدينة ويلعن دينها عشرات المرّات. لا ألوم من يعتبر أنّ عجزه عن احتضان حبيبته في الشّارع العام أكثر مركزيّة من الحديث عن الاحتلال . لا ألوم الباحثين عن الفرح، عن الدهشة، عن فسحة حريّة يمكن للفساتين فيها أن تتجلّى، وللآراء أن تُطرح، وللكتب أن تُشترى، وللأنخاب أن تعلو، وللذّات أن تتمدد تحت وقع المشاوير الطويلة. لا ألوم المسافرين أصحابي من غزّة، لا لأني أنا الآخر سافرت، بل لأنّي لا ألومهم. لست مستعدًا لاجتراع صراع وهميّ بينهم وبين الوطن، أو بينهم وبين الصمود والثبات والتحدّي. لست مستعدًا لاعطاء محاضرات ولا للتشكيك في الغاية والمراد. أنا فقط أشعر بالحزن حين يرحل أحدهم ويصير ثمّة مدة تقاس بالسنوات، لا بالأيام، يجب أن تمضي قبل لقائنا المقبل، وحديثنا المقبل عن الوطن، عن السياسة، عن غزّة وعن ما قصده أهل التاريخ واللغة حين قالوا أنّ معنى اسمها: «ما يُدّخر».

النبي صالح: فيلم مبني على أحداث حقيقيّة؟

أوت 25, 2012

لكلّ واحدٍ عدسته الخاصّة. الله له عدسة زرقاء ضخمة اسمها السماء، ووكالات الأنباء والصحفيّون المستقلّون وغالبيّة النشطاء الأجانب لهم عدساتهم السوداء على الأرض. جنود الاحتلال أيضًا لهم نصيب، في بنادقهم الحديثة عدساتٌ صغيرة مثبتة بحرفيّة على ظهر البنادق كي تسهّل وضع الهدف في الـ:”Focus”. أقول الـ”Focus” لأنّ اللغة الانجليزيّة ذات أهميّة بالغة في مجالي التصوير والاحتلال، حتّى أن الفعل المستخدم فيها لوصف التقاط الصور، وإطلاق النار, هو الفعل نفسه: Shoot.

يخبرنا المخرج الايطالي مارتن سكورسيزي أنّ السينما هي عملية انتقاء لما سيكون داخل الإطار، واستبعاد لما سيكون خارجه. ومن نافل القول أنّ الأدوات المستخدمة في إنتاج المادة السينمائيّة من كاميرات ومؤثّرات وتجهيزات إضاءة وميكروفونات، يجب أن تكون لا خارج الإطار السينمائيّ فحسب، بل وخارج إطار خيال المشاهد. بكلمات أخرى: يجب أن يتأثّر المشاهد ويصدّق ما يراه، ويتحوّل على إثر ذلك إلى “شاهد” على الأحداث التي باتت تجري أمام ناظريه، لا أمام عدسات الكاميرا.

قلنديا والأربعين مصوّر

قلنديا والأربعين مصوّر

في الضفّة الغربيّة يختلط الحابل بالنّابل، ولا تنطبق مستلزمات الحقيقة ولا اشتراطات السينما. قرية النبي صالح التي يمكن اعتبارها نظرًا لموقعها الجغرافيّ “بؤرة” فلسطين، تعطي مثالاً واضحًا. تدرك أنت إذ تتابع أنباء وصور مظاهراتها الأسبوعيّة أنّ ما يحدث ليس مشهدًا من فيلم. هذه الدموع المنهمرة على خدّ فتاة صغيرة دموع حقيقيّة وليست مكمّلاً جماليًا للقطة حزينة ترافقها موسيقى تصويريّة ناعمة. هذا الجنديّ الذي يلفّ ذراعه حول عنق صبيّة في ربيع ثورتها مستعمرٌ من ظهر مستعمر، وليس ممثلاً سيدخل بعد قليل غرفته الخاصّة ليمسح المكياج ويخلع عنه البدلة العسكريّة مرتديًا ثيابًا أكثر ملائمة للطقس. كل شيء حقيقي وفاعل: قنابل الغاز، البنادق، الجيبات العسكريّة، الجدار الفاصل، كلّ شيء. ومع ذلك لا يسعك إلا أن تشعر أنّ “الصورة” مرتبكة ومربِكة.

يرى الله كل ذلك (كما يرى كل مظاهر القمع والظلم الأخرى في العالم ) ويصّوره بدقّة HD من خلال عدسته الضخمة، ولكنه يفضّل عدم التدخل مباشرة. يقول لنا المتديّنون في معرض التفسير: تلك هي “الإرادة الإلهيّة” التي قد لا يتجلى مرامها السّامي للانسان البسيط، والتي لا يجب أن يطرح الخوض في أمرها تساؤلات حول الشهامة والمواقف. ولكن، ماذا عن البشر؟، ماذا عن اتخاذ القرار في الدماغ، تمريره عبر اشارات الجهاز العصبيّ الكهربيّة إلى العضلات، ليتحوّل إلى جهد فيزيائيِّ مرئيٍّ قادر على إحداث التغيير؟ كيف والأمر يتعلّق بأشخاص مستعمَرين تتراكم الدهون في عضلاتهم ولا مجال – كما أخبرنا فانون- لتصريفها إلا عبر الفعل المقاوم؟.

عندما يحيط سبعة مصورين أو أكثر بجنديين يضربان أو يسحلان أو يحاولان اعتقال شاب أو فتاة, يتراصّون ببلاهة على مسافة لا تتجاوز الخطوة الواحدة من “مسرح الأحداث”، بعضهم يحني ظهره كي يضبط “الشوت”، والبعض الآخر يحاول تقريب الميكروفون قدر المستطاع، وكلّهم يتصرف وكأن لا وجود لشخص آخر غيره، هل يكون الأمر عاديًا_حقيقيًا؟. لو كان ذلك مشهدًا سينمائيًا لما رأيت كل هذه الكاميرات، ولو كان حقيقة مطلقة (حقيقة بالنسبة لكلّ العناصر الظاهرة في الصورة) لما رأيت كلّ هذه الكاميرات. فما الذي يحدث بالضبط؟، ولماذا يتكرر برتابة فجّة ونسق بغيض؟ هل هذا هو “الحياد الصحفي” يتجلّى على مسافة قصيرة من جلاد وضحيّة؟

لا يحاول كاتب هذا المقال الخوض في النوايا أو التشكيك في الأهداف أو التقليل من أهميّة تلك الفعاليّات المقاوِمة. جلّ ما في الأمر أنني إذ أشاهد الصور ومقاطع الفيديو من مظاهرات قرية النبي صالح، او معتقل عوفر، أو حاجز قلنديا ويظهر لي هذا الكمّ الهائل من العدسات داخل الإطار، في تجمّع أقرب إلى العبثيّة، تصيبني الحيرة. هل انتهى الأمر أم أنني سأسمع عمّا قريب صوتًا خافتًا جدًا يقول .. Cut؟!

النبي صالح - جمعة 24/8

النبي صالح – جمعة 24/8

 

أبو رمزي: أسطورة الحب والحرب .. والمتعة!

جويلية 14, 2012

قصّة قصيرة مهداة إلى صديق عزيز، وبعيد.

أبو رمزي رجل في الأربعينيات من عمره، يجيد التحدث منذ ولادته بسبع لغات، يكره الناس ويمقت الوحدة، وسيحتفل خلال فترة قصيرة بعيد ميلاه. جاء أبو رمزي إلى الحارة منذ زمن يقدّره المتعلمون بعشرات السنين، في حين يصرّ الطاعنون في السنّ أنّ أبا رمزي أقدم من الحارة، وأنّ الحارة انما نبتت حوله كما ينبث العشب حول نهر جارٍ. رمزي، ابنه البكر، قتلته اسرائيل وهو يلعب كرة القدم في زقاق ضيّق. لم يستطع أبو رمزي تجاوز ذلك، شعر بالحقد تجاه جيش الدفاع وتجاه الله، لماذا تمنحني إيّاه ما دمت ستأخذه أمام عينيّ؟ لماذا تصرّ على إظهار جبروتك عليّ أنا الكائن-النملة بهذه الطريقة الوحشيّة؟ كان دومًا يتمتم بتلك الأسئلة وهو يتنقّل في شوارع الحارة نصف سكران ونصف فيلسوف. كان عزاء أبو رمزي أنّ كل أطفال الحارة يعتبرونه في منزلة أبيهم، ولربما كان فعلاً أبًا لكثير منهم، وحدها الشياطين تعلم من ضاجع أبو رمزي من نساء الحارة ومن لم يضاجع.

على دربك أبو رمزي.

على دربك أبو رمزي.

عمل أبو رمزي في كل شيء. كان حدادًا، ونجارًا، وسبّاكًا، وطبّاخًا، ومختصًا في إقناع أي عائلة بتزويج ابنتها لأي شاب يرى فيه الجدعنة والعزم، ولكنه قبل كل شيء كان فدائيًا. لم ينتم إلى حزبٍ أو حركة سياسيّة ولم يكن يومًا جزءً من تيار فكري معيّن. الدرب الواصل من قعر المخيّم إلى قمّة العملية المقاوِمة كان دربًا يرسمه أبو رمزي لنفسه بيديه العاريتين، يحفره بأظافره، ويمشيه بقدميه الثابتين ومن ثمّ يتركه مفتوحًا واضحًا لمن أراد السير على خطاه. لم يجهد عقله في البحث عن نظريّات كبيرة معقدة للتأكيد على وجوب القتال، كان الأمر واضحًا في رأسه المغطّى بالشعر الأسود الممزوج بالأبيض: إسرائيل قتلت ابني ونكّدت عليّ عيشتي. الله لا يريحني إن بريّحها!

أثناء عمله الفدائي، لم يكن أبا رمزي ليدّخر أي جهد في البحث عن المتعة. كان يقاوم مبتسمًا، ويعود ليقصّ على أهل الحارة المجتمعين حوله عند ترنس الكهرباء ما يبهجهم ويشرح أساريرهم. حكى بصوته الرخيم الواثق كيف كان يسطو على شحنات البيرة التي ترسل للكتائب الصهيونيّة المرابطة على الحدود. وكيف كان يسير مرّةً قرب بيت العرابيد في المخيّم عندما وجد جيبًا عسكريًا إسرائيليًا يحوم حوله. إتّخذ أبو رمزي وضعيّة دفاعيّة وامتشق “الكارلو” وبدأ يطلق النار على الجيب. في أقلّ من ثلاث دقائق كان الجنود الأربعة بين قتيل وجريح. فتح أبو رمزي باب الجيب العسكري فتدحرجت الجثة من مقعد السائق إلى الأرض. نظر الجندي الجريح بعينيه الزرقاوين إلى سواد مقلتي أبا رمزي وقال: بتقتلني يبو رمزي؟. فردّ عليه: آه بقتلك!، فمات الجنديّ من هول الصّدمة. لقد قتلته بإصراري قبل بندقيّتي، ذلك العرص المسلّح. قال أبو رمزي وهو يضحك والجمع يضحك معه.

لا تستغرب إن أخبرتك أنّ هذا الرجل الذي كان يمكنه رفع عربة رينو 504 بيد واحدة، كان يتكوّر على نفسه باكيًا إذ رأى قرنفلة أو زهرة حنّون وقد نمت على القارعة. الطبيعة والمرأة كانتا التوليفة التي تحوّل أبا رمزي من فدائيّ عنيد إلى طفل في الخامسة من عمره. أخبرني أحدهم مرّة أنّ أبا رمزي كان معجبًا بفتاة في الحارة المجاورة، وقد علم من مصادره (وما أكثرها) أنّ تلك الفتاة تعشق الفراولة؛ فذهب بنفسه إلى بيت لاهيا وقطف لها سلّتين كبيرتين (لك أن تتخيّل المخاطرة-أولئك الفلاحون في بيت لاهيا مستعدون لقتلك إن سرقت منهم حبة فراولة واحدة). عاد أبو رمزي بالسلّتين ووضعهما ليلاً على شرفتها بعد أن وصل إليها بقفزة واحدة. في صباح اليوم التالي، استيقظت الفتاة وخرجت لتحظى بقسط معقول من ضوء الشمس وهواء الوطن فوجدت السلّتين وعليهما ورقة مأخوذة من كرتونة سجائر مالبورو أحمر مكتوب عليها: “مع الحب .. أبو رمزي” فلم تستطع تمالك نفسها من الفرحة. انهارت ومال جسدها على السور الحديديّ فانتهى بها الأمر ملقاةً على الأرض تنزف من كل ثقب في جسدها.  , وصل الخبر إلى أبي رمزي فجاء راكضًا وأمسك بها، واضعًا رأسها على صدره. نظرت إليه وقالت: بتحبني يبو رمزي؟ فأجاب وهو يغرس يديه في شعرها: آه بحبك! .. فماتت من الصدمة.

ما بين العمل الفدائيّ، وأسر قلوب العذارى (والمتزوجات)، واللعب مع الأطفال، وقراءة الكتب، ورسم السكيتشات، والعزف على النّاي، كان يقضي أبو رمزي أوقاته في المخيّم وما حوله، هكذا إلى أن وقّعوا أوسلو. لم يذكر في التاريخ الفلسطيني المعاصر أن أحدًا سبّ الدين والرب بالطريقة والكميّة التي سبّ بها أبو رمزي دين ورب القيادة. كاد قلبه يتشظى إلى ألف قطعة، لكنّ شيئًا ما أنقذه، لعلّه الأمل؟. قضى أبو رمزي أعوامًا طويلة يحاول إقناع الجميع بأنّ هذا خراء، مهما أعطتنا فرنسا من عطور، ومهما أمّدتنا أمريكا بالمال والكنتاكي، فسيظل هذا خراءً، ولكن أحدًا لم يقتنع. هكذا حتّى جاء فصيل آخر فانقلب على القيادة التي كانت قد اعتقلت أبا رمزي مرّات عديدة بعد أن فقدت الأمل في إمكانية رشوته بمنصب أو بزّة عسكريّة. استبشر أبو رمزي خيرًا لكنّ المودّة لم تستمر. تبيّن أن العهر عهر حتى وإن نمت له لحية. عاد أبو رمزي إلى السجن الذي غيّروا اسمه وما غيّروا غايته. دُقّ مسمار آخر في نعش مُتخيّل، وسُكب الملح على الجرح في قلب عاشق.

تغيّر أبو رمزي. أصبح يمشي ببطء ويعاني حين يبتسم. لن أتجرّأ على القول بأن شعلة الحياة في داخله قد انطفأت، لكنها خفتت، خفتت إلى حدٍّ بعيد. قال لي في مقهى رديء يقدّم قهوة مكذوبة: ما عدت أحتمل، حتى الكارلو عثروا عليه وصادروه. سأسافر، سأبتعد حتى أقترب، لا تناقشني، أخبر أهل المخيّم. ومن ثمّ رمى السيجارة في المنفضة وقام و قبلني بشفتين كان ملسهما على خدّي أشبه بقشر البرتقال. رحل أبو رمزي، لم يخبرني شيئًا عن وجهته ولا عن موعد العودة، لكنّ أحدًا جاء من بلد بعيد عبرها أبو رمزي وقصّ علي، وعلى الجمع حول ترنس الكهرباء، أنّ أبا رمزي قضى هناك عدة أيّام بين المقاهي والعمارات الطويلة على النهر العظيم، وتوجّه في آخر يوم إلى الميدان الأعظم، اشترى قطعة قماش رسم عليها مثلّت وثلاث مستطيلات، ثمّ اختفى!


%d مدونون معجبون بهذه: